للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا فأكْلُ ذلك المال عليهم حرام من حيث إنهم مخاطَبون بفروع الشريعة، والدفع إليهم سبب لذلك الحرام فيكون حراما، ولكنه ما كان كذلك، ترجيحا للمصلحة الحاصلة فيه من فك الأسارَى، ومثل هذا ما يدفع لقطاع الطريق إذا كان يسيرًا.

ومنها (٢٩) مسألَةٌ يقع الغلط فيها وهي: أن الترخيص لا يكون بسبب (٣٠) المعْصِية، ويكون الترخيص لمن قارَنته المعصية ولم تكن معصيته سبباً، فالمقارنة كفاسِقٍ يَعْدَمُ الماء، يجوز له التيمم، أو يعجز عن القيام في الصلاة فيصلي جالساً، والمعصيَّةُ لا تكون سببا للترخيص، كسَفر المعصية لا يكون سببا للفطر في رمضان ولا للقصر.

وهذا الفرق يبطل قول من قال: إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها، لأن سببَ أكلِهِ خوفُه على نفسه لا سفَرُه، فالمعصية مقارنة للسبب لا أنها هي السببُ.

قلت: ولقائل أن يقولَ: وكذلك سفر المعصية، لَيس لِصاحبه أن يَقْصُرَ، لا يَصْدُقُ، لأن العلة في التقصير المشقةُ وقد وُجدت، والسفر مقارن، كما الأمرُ على قولك في الميتة، والله أعلم.

قال شهاب الدين - رحمه الله:

وقد يُعَبِّر الفقهاء عن الوسائل بالذرائع، والذرائع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:


(٢٩) في نسخة ح: وهنا مسألة. والعبارة الأولى أظهر وأنْسَبُ.
وقد تعرض لها الإِمام القرافي في التَّنْبيه الرابع من الكلام على الفرق ٥٨ قائلا:
تفرع عن هذا الفرق فرق آخر وهو: الفرق بين كون العاصى أسبابا للرُّخص، وبين قاعدة مقارنة المعاصى لأسباب الرخص، فإن الأسبَاب من جملة الوسائل، وقد التبست ها هنا على كثير من الفقهاء.
فأما المعاصى فلا تكون أسبابا للرخص، فالعاصى بسفَره لا يقصر ولا يفطر ... الخ)، وأمَّا مقارَنَةُ المعاصى لأسباب الرخص، فلا تمتنع إجماعا، فيجوز لِأفسق الناس وأعْصاهم التيممُ إذا عَدِمَ الماءَ وهو رخصة، وكذلك الفطر إذا أضرّ بهِ الصومُ، والجلوس إذا أضرَّ به القيام في الصلاة ... وهكَذَا تبدو هذه المسألة أو القاعدة عند الإِمام القرافي أبْيَن وأوضح.
(٣٠) في نسخة ح: سبب، والأولى أظهر وأصوَبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>