للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسم وقع الاتفاق على مَنْع العمل بها كسَبِّ آلهة الكفار وحفْرِ بِئر ليقع فيها مُسلم، فهذِه يجب القول بتحريمها.

وقسم اتفق على أنها غير معتبرة كبيع العنب، يقال: إنه يَعصِر مِنه خمراً، أو زرْعه مخافة ذلك، فلا أحدَ يقول: هذا سَبَبٌ لمنع زراعة العنب. وقسم مختلَفٌ فيه، هل يَفْسُدُ أمْ لَا، كبيوع الآجال قال بها مالك ولم يقل بها الشافعي، وكالنظر إلى النساء، لأنه وسيلة إلى الزنى، والمسائل لهذا القسم كثيرة.

قال شهاب الدين رحمه الله: وهذا القِسْم (٣١) يُظهِر خطأ الأصحاب في استدلالهم على بيوع الآجال بِسَدِّ الذرائع التي اتُّفق عليْها، وإنما ينبغي أن يستدَلّ عليها بمثل ما ذكره مالك في موطئه في قضِية أم ولد زيد بن أرقم مع سيدها،


(٣١) هذا القسم المختلف فيه من سد الذرائع ذكره شهاب الدين القرافي رحمه الله في الفرق الرابع والتسعين والمائة بين قاعدة ما يُسَدُّ من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منها. جـ ٣، ص ٢٦٦ أعاد فيه الكلام على الذرائع وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام، بعد ذكره لها في الفرق الثامن والخمسين بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل كما سبق ذكره والإِشارة إليه في بداية الكلام على هذه القاعدة الثامنة
عند الشيخ البقوري رحمه الله.
وبعد تقسيم الإِمام القرافي لها إلى ثلاثة أقسام: قسم مجمع على عدم منعه، وقسم مجمع على سده، وقسم مختلف فيه، وتبْيينه أن سد الذرائع ليس خاصا بمذهب الإِمام، لأن منها ما هو مجمع على سَدِّه وعَدم فتحه، قال رحمه الله: "والمختلَفُ فيهِ كالنظر إلى المرأة لأنه ذريعة للزنى بها، وكذلك الحديث معها.
ومنها بيوع الآجال عند مالك رحمه الله. ويُحْكَى عن المذهب المالكي اختصاصه بسد الذرائع، وليس كذلك، بل منها ما أجمع عليه كما تقدَّم، وحينئذ يظهر عدم فائدة استدلال الأصحاب على الشافعية في سَدّ الذرائع بقوله تعالى: "ولا تسُبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسُبُّوا الله عَدْوًا بغير علم ". وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ اليهود، حُرِّمتْ عليهم الشحوم فباعوها أكلوا أثمانها"، وكمنع شهادة الأبناء للآباء والعكس، وكشهادة خصمٍ وظنين لا تُقْبل، خشية الشهادة بالباطل. فهذه وجوهٌ كثيرة يستدلون بها وهي لا تفيد، فإنها تدل على اعتبار الشرع سَدَّ الذرائع في الجملة، وهذا مُجْمَعٌ عليه، وإنما النزاع في الذرائع خاصة، وهي بيوع الآجال ونحوُها، فينبغي أن نذكر أدلة خاصة لمحل النزاع، وإلَّا فهذه لا تفيد ... ) إلى آخر ذكره القرافي هنا وأوْرَدَهُ البقوري في اختصاره هذا الفروق، رحمهما الله جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>