للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع والمطالبة، لأن الطباع يشق عليها الصبرُ عَن مثل ذلك، بخلاف ما لو تزوجَتْهُ مجبوباً أو عِنِّيناً فإنه لا مقال لها في ذلك لِتَوَطُّنِ النفسِ على ذلك.

قلت: وَذِكْرُ هذه المسألة هنا فيما يظهر ليس مناسِباً للقاعدة، فإنه ليس فيها ذكرُ سبَبٍ وشرطٍ وَقَع ذلك في الطرفيْن، والله أعلمُ، إلا أن يقال:

وقعَ الإسقاط للوطْءِ بعْدَ ثبوتِ سببه وهو النكاح، وقَبْلَ شَرْطِهِ وهو التمكين، ومثل هذا إذا أسْقَطَتْ المرأة نفقتها فلها المطالبَةُ عند أصحابنا، مع أنه إسقاط بعْدَ السبب الذي هو النكاح، وقَبْلَ الشَّرْطِ الذي هو التمكين (٣٩) وقد يقال: ويمكن أن يقال هنا: ما كان لها المطالبة إلا لإسقاطها قبل سببه، وذلك التمكين، وهو كإسقاط الشفعة قبل بيع الشريك، والأَوّل أَظهر. (٤٠)


(٣٩) قال القرافي هنا متوسعا في المسألة: أو يقال: السبب هو التمكين خاصة، وما وجد في المستقبل عند الِإسقاط في الحال، فقد أسقطت النفقة قبل سببها، فيكون كإسقاط الشفعة قبل بيع الشريك، والأوّلُ عندي أظهر، وإسقاط اعتبار العصمة بالكلية لا يتَّجهُ، فإن التمكين بدون العصمة موجود في الأجنبية ولا يوجب نفقة، والأحسَنَ أنْ يُقال: هو من ذلك، غير أنه يشق على الطباع ترْك النفقاتِ، فلم يَعتبِر صاحب الشرع الِإسقاط، لطفا بالنساء، لا سيما مع ضعف عقولهن.
وعلى التعليلين يشكِلُ بما إذا تزوجتْه وهي تعلم بفقره، قال مالك: ليس لها طلب فراقه بعد ذلك، مع أنه بعْدَ العقد وقبل التمكين. والفرق أن المرأَة إذا تزوجَتْ بمن تعلَمُ بفقره، فقد سكنتْ نفسُها سكوناً كليا، فلا ضرر عليها في الصبر على ذلك، كما إذا تزوجته مجبولا أو عنينا فلا مطالَبة لها، لفرط سكون نفسها.
(٤٠) قال ابن الشاط معلقا على هذا الكلام عند القرافي في هذه المسألة: ما قاله فيها ظاهر، وما اختاره هو المختار، وما اعتذر به عن المذهب ظاهر. وما فرّق به بين المسألة وبين ما إذا تزوجته، عالمةً بفقره ظاهر أيضا، وكذلك ما قاله في مسألة إسقاط المرأة حقها في الوطء ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>