للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن الشارع شرَعَ الأحْكامَ وشرع لها أسْباباً، وجعل من جُملة ما شرعَه من الأسباب الشَّك، فشرَعه في عدة من الصُّور حيث شاء.

فإذا شك هل هي الشاة المذكَّاة أو الميتَة حَرُمَتَا معاً، وإذا شك في الأجنبية وأخْتِهِ من الرضاع حرِّمتَا مَعاً، وسَببُ التحريم هو الشك، وكذلك قد يكون الشك سبب الوجوب، والمتقرِبُ في مثل هذه الصورة جازم بوجود الموجب وهو الله تعالى، وسَبَبِ الوجوب الذي هو الشك، والواجِبِ الذي هو الفِعل، ودليلِ الوجوب الذي هو الِإجماعُ أو غيرُه من الأدلة. وفي صورة النظر لا شيء منها بمعلومٍ، بل الجميعُ مجهُول مشكوك فيه، فالشك في السبب كما هو في هذه الصورة التي ذكرنا لا يمنع من التقرب (٤٤).

ثم إذا تبين الفرق فلَا نقول: إن صاحب الشرع جعل الشك سببا مطلقاً، بل نصبه مرَّةً سبباً، وفي صُوَر صوَرٍ يُلْغِيهِ ولا يَعْتَبرهُ، وفي صُوَرٍ وقع الخلاف فيها بين العلماء، هل يُلْغى ذلك الشكُّ أو يُعتَبر، فاعتبارُ الشك كما قدَّمْنا، وإلغاؤه كمن شك هل طلق أم لا، فيلغيه ولا شَيء عَلَيه، كمن شكَّ هل سها في صلاته أم لا، فيلْغيه. والمختلَف فيه كمن شك هل أحدَث أو لا؟ اعتبره مالك دون الشافعي، ومن شك هل طلق ثلاثا أم لا (٤٥)؟ ألْزمه مالك الطلقة المشكوك فيها دون الشافعي، ومن حلف يميناً وشكَّ ما هي؟ ألْزمَه مالكٌ رحمه الله جميع الأيْمان فقد صار الشك ثلاثة أقسام، ثم يتضح الفرق بذكر ثلاث مسائل.

المسألة الأولى، قال بعض العلماء: إذا نسي صلاة من خمس فإنه يصَلي


(٤٤) عبارة الشيخ القرافي رحمه الله في هذه الفقرة: "فالشك في السبب غيرُ السبب في الشك، فالأول يمنع التقرب ولا يتقرر معه حكم، والثاني لا يمنع التقرب وتتقرر معه الأحكام كما رأيتَ في هذه النظائر. فاندفع سؤال هذا السائل، وصح الإجماعِ ونقْلُ العلماء فيه، وما أورَدَه عليه من النقوض لا يَرِدَ ... الخ.
(٤٥) عبارة القرافي: هل طلق ثلاثا أم اثنتين؟

<<  <  ج: ص:  >  >>