للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزيادة فقط (٤٩). وبهذا يظهر الفرق بين الشك في السهو وبين الشك في العدد، فالأول شك في السبب، فلا شيء يترتب عليه، والثاني سبب في الشك. (٥٠)

المسألة الثالثة، وقع في بعض تعاليق المذهب أن رجُلاً توضأ الصبح والظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد، (٥١) ثمَّ أحدث، فتوضأ وصلى العِشاء، ثم تيقن أنه ترك مسح رأسه من أحد الوضوءين لا يدْري أيُّهما هو

فسأل العلماء، فقالوا له: يلزمُك أن تمسح رأسك وتعيدَ الصلواتِ الخمسَ، فذهب ليفعل ذلك فنسى مسح رأسه وصلَّى الصلواتِ الخمس، ثم جاءَ يستفتى عن ذلك من سأل أوَّلا، فقال له: إذْهب وامسح رأسك وأعِدْ العشاء وحْدَها، فأشكل ذلك على جماعة من فقهاء العصر وقالوا: الشك موجود في الحالتين، فكيْف أمِرَ أولا بإعادة الصلواتِ كلها وفي ثاني حال أمِرَ بإعادة العشاء وحدَها؟ !

والجوابُ أنَّ المسح المذكور إن كان من وضوء الصلوات الأربع فقدْ أعادَها بوضوء العِشاء بعْدَ أن إستفْتَى أولا، فبرئت الذمة منها، وإن كان من وضوء العشاء فقد برئت الذمة منها بوضوئه الأول، فعلى التقديرْين برئت الذِّمة ولم يبقِ إلا الشك في العشاء، فعلى تقدير أن يكون المسح نُسِىَ من وضوئها فيكون ثابتًا في


(٤٩) قال القرافي: "وهذا الثالث (أي الشك) قلّ أن يتفطن له فتأمّلْه، ولا تجد مَا يُسَوِّغُ على مقتضى القواعِدِ غيرَه، وبه يَظهر الفرق بين الشك في سبب السَّهو، وبيْن الشك في العدد ... الخ، ما قاله القرافي، والبقوري رحمهما الله.
(٥٠) زاد القرافي هنا قوله: بمعنى أن الشك هو الذي جعلهُ الشرع محلَّ السببية، فذكرته بهذه العبارة ليحصل التقابُل بينه وبين الأول طرْداً وعكْساً.
(٥١) أصل أداء الصلوات الخمس وأربع صلوات منها بوضوء واحد لمن استطاع أن يمسك الوضوء لوقت طويل هو الحديث الصحيح الذي أخرجه كثير من أئمة الحديث عن سلمان بن بُرَيدَة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضُوء واحد ومسَحَ على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعْتَ اليوم شيئا لم تكن تصنَعُهُ، قال: عمْداً صنعتُه يا عُمَرُ" أي للتشريع وللبيان.
وفي معناه أيضا حديث أنس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدَنا الوضوءُ ما لم يُحْدِث" رواه بعض أئمة الحديث.
فالمتوضئُ يحق له أن يصلى الصلوات الفرائض بوضوء واحد، كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا لا يتنافى مع استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة فريضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>