للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لَا خفاءَ أن رَفع الواقع إذا فُسِّر بما قاله فهو محال، ولكنه الذي يَسْبِق إلى الفهم في الرَّفْع، كما يقال في النَّسْخ: إنه رفْعُ ما هو ذلك، بل الذي يُرفع اتصال ذلك الحكم بحسب الأزمنة، ولا استحالة في هذا.

قال شهاب الدين رحمه الله: وأوَضِّح هذا بذكر مسائل.

المسألة الأولى، العيبُ إذا وُجد بالسلعة فكان ذلك موجباً للرد، هل هو رفْعٌ للعقد من أصله أو من حينه؟ ، قولان: من حينه لَا إشكال فيه، من أصله ربّما يقال: هذا رفع الواقع، وذاك محال، فيقال: ليسَ هذا من رفع الواقع، وإنما هو من باب تقدير ارتفاع الواقع، إذ لاشك في حصول عقْد البيع، فإذا قلنا: من حين أصل الشراء فمعناه تقديرُ الشرع لذلك العقد بعد ظهور العيب كالعدم، فالأمَة إِن كانتْ هي المبيعة، وهي قد كانت بحَمْلٍ، إذا كان القيام بالْعَيْبِ بعد الوضْع، إِن قلنا: من حينه فالولد للمشتري، وإن قلنا: من أصله فالولد للبائع، ولا شيء للمشتري، وكذا الحال في الغَلَّاتِ وسائر المنافع.


= مُحَال، فما معْنى قولهم إنه رفعٌ للعقد من أصله؟ قال له الآخَرُ: معنى ذلك أنه يرجع إلى رفع آثاره دون نفس العقد، فقال له: الآثار والأحكام هي أيضا واقعة من جملة الواقعات، وقد تضمنها أيضا الزمان الماضى كسائر الماضيات، فيستحيل رفعها كالعقد، ويمتنع إخراجها من الزمان الماضى كسائر الماضيات، فقال له الآخر: هذا السؤالُ يَرِد على مثلى؟ ! وأظهر الغضب والنفور، لقلقه وقوة السُّؤال، وافترقا عن غير جواب، وما سَببُ ذلك إلا الجهل بهذا الفرق، وها أنا أوضحه لك بذكر مسائل أربع": إلى آخر كلامه هنا.
وإيراد مثل هذه المحاورة والمناظرة بين العلماء، وذكرها في هذا المقام مع اختصار البقوري لها يعطى ضوءاً كاشفا عن هذا الفرق بين القاعدتين المذكورتين فيه، وعن أهمية كتاب الفروق ومكانته عند العلماء في تذليل كثير من الإِشكالات والإجابة عن كثير من المسائل الشرعية في الفروع الفقهية. وقد علق الفقيه المحقق ابن الشاط على هذا الفرق بقوله:
جميع ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح، غيْر قوله بتقدير الملك للمعتَق عنه، فإنه وإن كان التقدير ممَّا ثبت له حكم في مواضع فإنه لا حاجة في هذه المسألة إليه، ولا دليل عليه.، وغير قوله بتقدير ملك الدية في قتل الخطأ فإنه ليس موضع تقدير الملك، أعنِي بَعد إنفاذ القاتِلِ وقبْل زهوق الروح، بل هو موضع تحقيق للمِلْك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>