للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد مضى في القاعدة الأولى أن كلامه على قاعدة التقدير لم يتم، وكلامه هنا ليس إلا إحالة على ذلك. (٥٩)

المسألة الثانية، رفض النية في العبادة، فيها قولان، والمشهورُ في الصلاة والصوم صحة الرفْضِ، وفي الحج والوضوءِ عدمُ الرفض. (٦٠)

قال شهاب الدين رحمه الله: وذلك من باب التقديرات الشرعية لا من باب رفعُ الواقع، فلا إحالة فيه.

قلت: قد مضى في القاعدة التي قبل هذه أن ذلك الرفض هو رفع النِّيةِ الحكمية لا الفعلية، من حيث إنه لو قدِّر هذا الرفض من النية الفعلية لضَادَّتْها وأبطلتها، فإذا كانت مع الأصل هكذا فمع الحكمي الذي هو فرعٌ أوْلى أن تضادّه، وعلى هذا فلا تقديرَ.

قال شهاب الدين - رحمه الله: فإن قلْتَ: وأيّ دليل في الشَّريعة يَقْتَضى تمكُّن الكلف من هذا التقدير وأن هذا التقدير يتحقق؟ ، ولو صح ذلك لَتَمَكَّن الكلّفُ من إسْقَاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمان الماضي بطريق التقدير والقصد إليه، دُونَ أن يأتي بكفر، وكذلك يَقصدُ. صحيح أعماله السيئة من زنى وغيره ممَّا تقدم فيَسْتريحُ من مؤاخذتها، وذلك كله غير متقرر، بَلْ المتقرر في الشريعة أن عَدم اعتبار ما وقع في الزمان الماضي متوقف على أسبابٍ غير الرفض، كالإسلام يهدِمُ ما قبله، والهجرة والتوبة والحج، وعَكسُها في الأعمال الصالحة تُبْطلها الرِدة، والنصوص دَلَّتْ على اعتبار ما ذكرناه، وأمّا الرفض فما نعلمُ فيه دليلًا شرعيًّا يقتضي اعتباره، ثم قال: هذا سؤال قويٌّ، والأفضلُ الاعترافُ به.


(٥٩) التقديرات كما قال القرافي هي: إعطاء الموجود حكم المعدوم، وإعطاءُ المعدوم حكم الوجود، وهي من قواعد الشرْع.
(٦٠) قال القرافي: وذلك كله من المشكلات، فإن النية وقعت، وكذلك العبادَة، فكيف يصح رفع الواقع، كيف يصح القصد إلى المستحيل؟ والجواب أن ذلك من باب التقديرات الشرعية، بمعنى أن صاحب الشرع يقدر هذه النية أو هذه العبادَة في حكمِ ما لم يوجد، لا أنه يبطل وجودها المندرج في الزمن الماضي، بل يُجْرِي عليها الآن حكم عبادَةٍ أخرى لم توجد قط.

<<  <  ج: ص:  >  >>