للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الأولى (٤٠): قال مالك بغسل قليل النجاسة كثيرها، وهو لا يقول بغسل قلِيل الدم، فلِمَ كان هذا، والجميع نجاسة؟

فالجواب أن قليل الدم لا يمكن الاحتراز منه، لِأن الانسان لا يخلو عنه، كذلك سائر النجاسة، لأنها يمكن الاحتراز منها من غير مشقة.


= مخرج الخبر لوجب تاويله وحملُهُ على المجاز، لآن ما ذكرناه نكتة عقلية قطعية، فمتى عارضها نص وجب تاويله، هذا هو قاعدة تعارض القطعيات مع الالفاظ.
وعن الثاني بأن وُجُوبَ استعمال الماء عند وجوده ليس متفقا عليه، فلنا منعه على ذلك القول. ولو سلمناه لكنا نقول: التيمم رفع الحدث ارتفاعاً مغيّىً بأحد ثلاثة اشياء: إمَّا طريان الحدث بأن يطأ امرأته او يباشر حدثا من الاحداث، أو يفرغ من الصلاة الواحدة وتوابعها من النوافل، فيصير محدِثا حينئذ، ممنوعا من الصلاة، أو يجد الماء فيصير محدِثا عند وجود الماء، ويكون الحكم ثابتا إلى آخر غايات كثيرة او قليلة فهو معقول.
وأما ثبوت المنع الاباحة واجتماع الضدين فغير معقول، واذا تعارض المستحيل والممكن وجب العدول إلى الفول بما هو ممكن، وقد رفع استعمال الماء الحدث إلى غاية وهي طريان الحدث، فجاز أن يرفع التيممُ الحدث إلى غايات، وكذلك المرأة الأجنبية ممنوعة محرمة، والعقد عليها رافع لهذا المنع ارتفاعا مغُيَّى بغايات هي: الطلاق، والحيض، والصوم، والإِحرام، والظهار ...
وعن الثالث مِنْ أن كون الجمهور على شيء (او قول) يقتضى القطع بصحته، بل القطع انَّمَا يحصل في الإِجماع، لأن مجموع الأمة معصوم، أما جمهورهم فلا. فالظاهر أن الحق معهم، والظاهر إذا عارضه القطع قطعنا ببطَلان ذلك الظهور، وها هنا كذلك، لِأن اجتماع الضدين مستحيل مقطوع به، فيندفع به الظهور الناشئ عن قول الجمهور، فظهر لك بهذه المباحث بطلان هذين القولين (اي ثبوت المنع مع الاباحة)، وكون الجمهور على شيء يقتضى القطع بصحته)، وظهر الفرق بين قاعدة رفع الوضوء الجنابة باعتبار النوم، وقاعدة رفع غسل الرجل للحدث باعتبار لبس الخف" اهـ.
وبهذا التفصيل والتوسع في هذا البحث والحوار والحجاج النقلي والعقلي حاول القرافي رحمه الله الاقناع بقوله: إن التيمم يرفع الحدث، وترْجِيحَهُ على القول بخلافه، فيتأمل في ذلك بِنظر وتأمل.
(٤٠) هذه المسألة والمسائل الثمانية الاخرى الموالية لها، هي مما أورده وأضافه الشيخ البقوري في كتابه هذا إلى كتاب الفروق، وهي واردة في نسخة ح، ومذكورة فيها، وكذلك في نسخة من تونس.
وهي تدل على مكانته وسعة اطلاعه وتمكنه من العلوم الشرعية وهضمه القواعد الفقهية بكيفية عامة، ولاستيعابه لكتاب شيخه الفراقي في الفروق بكيفية خاصة، للقواعد والعلوم والمعارف كما يقول العلماء، مِنَحٌ الإِهية، ومواهب اختصاصية، فغيْرُ مستغربٍ ولا مستبعَدٍ أن ييسِّرَ الله لِكثيرٍ من المتأخرين ما عسُر فهمُه على كنير من المتقدمين، وأن يدخر لهم ما غاب عن إدراك عديد من السابقين، وذلك فضل الله، يوتيه ويختص به من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فرحم الله الجميعَ ونفع بعلومهم، آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>