للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما كان هذا الفرق من حيث ان الله تَعَمدَنا في الأهِلة بالرؤية، أو بالإِكمال ان تعذرت الرؤية، ولم يتَعَبَّدْنا بخروج الهلال من الشُّعَاع. وفي الأوقات الأخَرِ تعبَّدَنا فيها بحصول أوقاتٍ وبروزها في نفسها، فكان لنا أن نستدل على حصولها بكل دليل يوصل إلى ذلك، لأن العبادة مربوطة بالزوال مثلا، ولم تُرْبَط لنا بخروج الهلال من شعاع الشمس، بل برؤيته، فإن أغْمِيَ علينا فنكمل (١٥) العِدة ثلاثين (١٦).


(١٥) كذا في نسخة ع، وفي ح: نكمل بدون الاتيان بالفاء، وهو الصواب المتفق مع المقرر في القواعد، حيث إن جواب الشرط فعل مضارع ليس فيه ما يدعو إلى اقترانه بالفاء. وفي نسخة اخرى: كملنا العدد ثلاثين، بصيغة الماضي في الجواب، وهو يكون كذلك، قال ابن مالك في ألْفِيَته النحوية عن فعل الشرط وجوابه:
وماضيْين أو مُضارعيْنِ ... تُلْفِيهما او متخالفَيْنِ
(١٦) قال شهاب الدين القرافي رحمه الله في أول الكلام على هذا الفرق:
"وفيه (أي في اثبات الهلال بالحساب) قولان عتدنا وعند الشافعية رحمهم الله تعالى. والمشهور في المذهبين عدم اعتبار الحساب. فإذا دَل تَسْيِيرُ الكواكب على خروج الهلال من الشعاع من جهة عِلْم الهيْئة لا يجب الصوْمُ. قال سَنَدٌ من اصحابنا: فلو كان الإِمام هي الحساب لمْ يُتَّبَعْ، لإِجماع السلف على خِلافه، مع أنّ حساب الأهِلة والكسوفات والخسوفات قطعِي ... (اي فكان ينبغى أن يعتمَدَ عليه كأوقات الصلوات، فإنه لا غاية بعد حصول القطع).
والفرق - وهو المطلوبُ ها هنا - وهُو عُمْدَةُ السلف والخلَفِ أن الله تَعَالى نصَبَ زوال الشمس سببَ وجوب الظهر، وكذلك بقية الأوقات، لقوله تَعَالى، "أقِمْ الصلاة لدلوك الشمس" (أي لأجل دُلوك الشمس وهو الزوال)، وكذلك قوله تعالى: "فسبحان الله حين تُمْسون وحين تُصْبحون وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تُظْهرون". قال المفسِّرون: هذا خبَرٌ معناه الامرُ بالصلوات الخمس في هذه الاوقات وبإيقاعها فيه. وغَير ذلك من الكتاب والسنة، الدال على أن نفس الوقت سبب، فمن عِلمَ السبَبَ بأى طريق كان لزمَه حكمه، فلذلك اعتُبِر الحسابُ المفيد للقطع في اوقات الصلوات.
أما الأهلة فلم يَنْصَبْ صاحب الشرْع خروجَها من الشعاع سببأ للصوم، بل رؤية الهلال خارجا عن شعاع الشمس هو السببُ، فاذا لم تحصل الرؤية لم يَحْصُل السبب الشرعي فلا يثبتُ الحكم، ويدُل على أن صاحب الشرع لم يَنْصِب نفسَ خروج الهلال عن شعاع الشمس سببا للصوم، قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته وأفطِرُوا لرؤيته"، ولَمْ يقُلْ لخروجه عن شعاع الشمس كما قال تعالى: "أقِم الصلاة لدلوك الشمس"، ثم قال: (اي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تمام هذا الحديث: "فإن غُمَّ عليكم (أيْ خفيتْ عليكم رؤيته) فاقُدُروا له، وفي رواية: "فأكْملوا العدة ثلاثين .. ، فنصَبَ رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين، ولم يتعرض لخروج الهلال عن الشعاع ... الخ.
ثم قال القرافي رحمه الله: فلأجل هذا الفرق (أي بيْن قاعدة أوقات الصلوات تثبت بالحساب، وقاعدة الأهلة في رمضانات لا يكون إثباتها بالحساب) قال الفقهاء رحمهم الله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>