للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ها هنا شهاب الدين رحمه الله إشكاليْن: أحدهما بحسب أوقات الصلاة، والثاني بحسب رؤية الأهلة فقال:

العادَة المستمرة للمؤذِّنين القائمين بالأوقات أنهم إذا شاهدوا المتوسط (١٧) أمَرُوا الناس بالصلاة والصوم، معَ أن الأُفق يكون صاحِياً لا يخْفَى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك فلا يجد الناظر للفجر أثراً البتة، وهذا لا يجوز، فإن الله تعالى جعل ظهور الفجْر فوق الأفُق سببَ التكليف.

ثم أوْرَدَ على نفسه سؤالا فقال:

فإن قُلْتَ: هذا جُنوحٌ منك إلى أنه لابد من الرؤية، وأنتَ قد فرقت بين البابين ققال: الفرق أنِّي لم أشترط الرؤية في الأوقات، ولكني جعلت عدم اطلاع الحِسِّ على ذلك حين الصحْو دليلا على عدم حضور الوقت، بخلاف الأهلَّة هي المربوطة بالرؤية.

قلت: كما جَعَلتْ الرؤيةُ الحُكْم تعلّقَ بها من أجل قوله عليه الصلاة والسلام: "صوموا لرؤية الهلال وأفطِرُوا لرؤيتِهِ". كذلك يجب عليك أن تجعل الادراك المحقَّقَ سببا لوجوب الصبح، من أجل قوله تعالى: "حتَّى يتبين لكم الحيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"، فإذا الموضعان على السواء في اعتبار الإِدراك المحقق أن يحصل فيتحقق الإِشكال.

قلت: والظاهر عندي أن الصبح من بين سائر الصلوات هي منوطة بشيء اضافي لا بشيء واقع في نفسه، لأجل قوله: "حتى يتبيَّن"، ويكون فعْل المؤذنين لهذا لا يصح، وهي كالهلال، فإنه - أيضا - امْرٌ اضافي، معرفته دخول


= "إن كان هذا الحِسابُ (اي حِساب رؤية الأهلة غير منضبط فلا عيرة به، وان كان منضبطا، لكنَّه لم يَنْصِبْه صاحبُ الشرْع سببا، فلم يَجِبْ به صوم، والْحق من ترديد الفقهاء (اي من كلامهم في هذا الشأن) هو القسم الثاني دون الأول.
(١٧) عبارة القرافي أكثر ظهورا ووضوحا وهي: "انهم إذا شاهدوا المتوسط من دَرج الفلك أو غيرها من درَج الفلك الذي يقتضى أن درجة الشمس قَرُبَتْ من الأفق قُرْبًا يقتضى أن الفجر طلع أمرُوا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحيا ... وهذا لا يجوز ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>