قال القرافي: وكذلك وقع في الفتاوى الفقهية مسألة أشكلت على جماعة من الفقهاء رحمهم الله في أخوين ماتا عند الزوال: أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، أيُّهما يَرث صاحِبه؟ فأفتى الفضلاء من الفقهاء بأن المغربي يرث المشرقي، لأن زوال المشرق قبل زوال المغرب، فالمشرقي مات أوَّلًا، فيرثه المتأخِرُ لبقائه بعده حيًّا، متأخر الحياة فيرث المغربيُّ المشرقيُّ. ثم خلُص القرافي رحمه الله إلى النتيجة من هذا الكلام، فقال: إذا تقرر الاتفاق على أن أوقات الصلوات تختلف باختلاف الآفاق، وأن لكل قوم فجْرَهم وزوالهم وغيْرَ ذلك من الأوقات، فيلزم ذلك في الأهلة، بسبب أن البلاد المشرقية إذا كان الهلال فيها في الشعاع وبقيت الشمسُ تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية، فما تصل الشمس إلى أفق المغرب إلا وقد خرج الهلالُ من الشعاع فيرَاهُ أهل المغرب ولا هاه اهل المشرق. هذا أحَدُ أسباب اختلاف رؤية الهلال، وله أسباب أخر، مذكورة في علم الهيأة لا يليق ذِكرها ها هنا، إنما ذكرتُ ما يقرب فهمُهُ. ثم زاد قائلا: واذا كان الهلال يختلف باختلافَ الآفاق وجبَ أن يكون لكل قوم رؤيتهم في الأهلة، كما أن لكل قوم فجرهم وغيْر ذلك من اوقات الصلاة. وهذا حق ظاهر، وصوابٌ متعين. أما وجُوب الصوم على جميع الأقاليم برؤية الهلال بقطْر منها فبعيد عن القواعد، والأدلة لم تقتضِ ذلك، فاعْلَمْهُ. والملاحظ أن الفقيه المحقق قاسم ابن الشاط لم يعلِّقْ على شيء مما جاء في هذا الفرق مما يستنتج منه أنه يراه صوابا وصحيحا وسليما عند القرافي، والله أعلم. أقول: ومن الأدلة على اعتاد الرؤية واعتبار اختلاف المطالع كما قرره القرافي ما أخرجه بعض أئمة الحديث عن كُرَيب رضي الله عنه أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمْتُ الشام وقضَيت حاجها، فاستُهِل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدِمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة