قال هنا بعض شراح الحديث من المعاصرين: فرؤية الهلال في قطر لا تَسْري على قطر آخر، لأن كل فطر مخاطَبُون بماَ يظهر لهم فقط، كأوقات الصلاة، ولوْ كلِّفوا بما يظهر في جهة أخرى لشق عيم ذلك ومعلومٌ أن المطالعَ تختلف، فَرَبْطُ كل جهة بمطلعها أخف وأحْكَم. فإذا ثبتَتْ رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكونَ دَونَ اربعة وعشرين فرسخا، (والفرسخ عند العلماء الفقهاء ثلاثة اميال، والميل الفا ذراع على المشهور، وقيل: ثلاثة آلاف ذراع، وهو الراجح والمعتمد، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين واسحاق والشافعي. وقال الجمهور: إذا ثبتتْ رؤية الهلال في بلد وجب على كل المسلمين العمل بها، وعليه الائمة الثلاثة (اي ابو حنيفة، ومالك، واحمد)، قاله الخطابي، وقال ابن الماجشون: لا يلزَمُ أهْلَ بلدٍ رؤيةُ غيرهم، إلا أن يثبتَ عند الامام الاعظم (وهو الخليفة السلطان)، فيلزَمُ الناس كلَّهم، لأن البلاد (أيْ الخاضعة لخلافته، وإمارته وطاعته) وفي حقه كالبلد الواحد، وحكمُهُ نافذ على الجميع. اهـ. وقد رأيت أن أنقل هذا البحث المتعلق برؤية الأهلة عند الإِمام القرافي، وأن أورد كلامه فيه بتمامه، لأهمية الموضوع في حد ذاته، ولنفاسة هذا البحث ودقته، واهتمام الخاصة والعامة به من الناس، ولحديثهم فيه احيانا بغير علم ودراية، ودون معرفة بمباحث الرؤية وضوابطها الفلكية، وبما قاله العلماء الفقهاء المتخصصون فيها. سواء منهم الأقدمون أو المتأخرون والمعاصرون، وخاصة علماء الفلك التوقيت. وقد تكلم في ذلك بعمق وتوسع، وتحدث فيه بتحقيق وتفصيل استاذنا وشيخنا الجليل الفقيه المحقق، والفلكي المدقق العلامة الشهير، الأستاذ محمد بن عبد الرازق في كتابه القيم (العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال)، وفي مباحث اخرى خاصة بالموضوع، منها ما نشر في