للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيها أن جَوف الانسان يبقى خاليا، فيحصل له شبه بصفة الربوبية، فإِن الصمد هو الذي لا جوف له على أحد الأقوال. ويرد عليه الاشتغال بالعلوم، والعِلْمُ من أجل صِفات الربوبية (٥).

وثالثها أنه اختص بذلك لترك الشهوات العظيمة، ويرد عليه الجهاد فإنه أعظم من ذلك.

ورابعها أن جميع العبادات وقع التقرب بها لغير الله تعالى إلا الصوم، فإنه لم يتقرب به لغير الله. ويرد عليه أن الصوم وقع لِلْكَوَاكِبِ من أرباب الاستخدامات لها.

وخامسها أن الصوم. يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل، ولهذا،

قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخل الحكمة جوفًا مُلِئَ طعاما"، وصفاء العقل يوجب حصول المعارف الربانية ويرد عليه أن الصلاة ودوام الذكر والمراقبة، والتزام الأدب، توجب المعارف الربانية، لقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" (٦)، وهذا أحسن ما ذكر في هذا الحديث، وقد رأيت ما ورد على كل واحد.


= الاطلاع عليه حقيقة لغير الله تعالى، وما أورد عليه من النقض بالإِيمان وسائر أعمال القلوب يجاب عنه على أن المراد به الاعمال الظاهرة لا الباطنة، وأن الصوم اختص دونها بهذه المزية. ولا يرد عليه كون الصلاة افضل منه، لانه لا تعارض بين المزية والأفضلية على ما قرر هو بعد هذا، والله أعلم.
(٥) زاد القرافي هنا رحمه الله: فمن حصله فقد حصل له شبه عظيم. وكذلك الانتقام من المجرمين، والاحسان إلى المؤمنين، وتعظيم الاولياء والصالحين. وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه التخلق بأخلاق رب العالمين، ، ومع ذلك فالصوم مفضل عليها بعموم الحديث المتقدم" اهـ.
أقول: ولعله كان من الأنسب في خصوص مسألة الصوم هنا تشبيه الصائم في خُلُوِّ جَوفِهِ عن الطعام، وصفاء روحه بالصيام، بالملائكة الكرام، فإنهم أجسام نورانية، لا ياكلون ولا يشربون، وهم بذلك في عالم السمو والروحانية، في الملأ الاعلى عند الله، وتشبيه المخلوق بالمخلوق في بعض الصفات والخصال أصلحُ وأنسب، وأولى وأقرب، وهذا لا يتنافى مع ما جاء في الحديث الوارد، تخلقوا بأخلاق الله، والله سبحانه أعلى وأعلمُ.
(٦) سورة العنكبوت: الآية: ٦٩، وتمامها، "وإن الله لمع المحسنين".

<<  <  ج: ص:  >  >>