للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: يمكن أن يقال: كان هذا في الصوم دون غيره، لمجموع ما ذكر فيه في هذه (٧) الوجوه، إذْ لا يلزم النقض من حيث الأفراد أن يكون النقض يَرِدُ بذلك عند اعتبار المجموع.

ويمكن أن يقال: لأنه أصل التزكية (٨) كلها، فالصوم مِلَاك الخير كله، ولا شيء يوجد مثله في ذلك، والله أعلم.

وأما الحديث الآخر ففيه أسئلة:

الأول: لِمَ قال: "بستِ (٩) "، والصومُ لا يكون في الليالي وإنما يكون في النهار؟

الجواب أن العربَ تؤرخ بالليالي دون الأيام.

الثاني: لِمَ قال: "بست"، وهل لست، مزية على الخمس والسبع؟

الثالث: هل لشوال خصوصية في ذلك؟

الرابع: كيف حصلت المساواة في الثواب بين الكل والبعض؟


(٧) في نسخة ح: مِن هذه الوجوه.
(٨) كذا في نسخة ع، وفي نسخة ثالثة: التزكية، والذي في نسخة ح: البركة، ويظهر من خلال السياق والمعنى، أن كلمة البركة أنسب وأظهر وأصوب، بمعنى أن الصيام أصل البركة في العمل والكسب والطاعة، يفهم من قوله في آخر هذا السطر: "فالصوم مِلاك الخير كله".
على أنه يكون لكلمة التزكية هنا مدلول ووجه خاص، وهي التزكية من الله تعالى لعبده المؤمن الصالح، والمكانة والحظوة التي ينالها عنده، على قدر نية العبدِ وإخلاصه في عمله وعبادته لربه وخالقه. فقد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}، وقال سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. وقال جل علاه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
(٩) ذلك أن العدد هنا مذكر، والفروض في معدوده أن يكون على عكسه مؤنثا، وهو الليالي. وَلَا يصح أن تكون مقصودة هنا، لأن الليالي ليست ظرفا ووقتا للصيام، وإنما ظروفه النهار، فكان يمكن أن يقال في الحديث: "وأتبعه بستة .. اي بستة ايام، وذلك تمشيا مع ما هو مقرر في فصيح وبليغ الكلام العربي بالنسبة للعدد مع معدوده، وقرره علماء النحو في القواعد اللغوية المطردة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء، أوتي جوامع الكلم وفصْل الخطاب. فكان الجواب السليم عن التساؤل واكتشاف سر ذلك التعبير النبوي هنا أن العرب تؤرخ بالليالي دون الأيام، والله أعلم وأحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>