للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرق بينهما أن الخطاب الوارد بهذا الصوم هو خطاب تكليف لا خِطابُ وضع، وخطاب التكليف يشترط فيه العلم وإلقدرة، فالعالم القادر وجد شرط التكليف فيه، فكان إذا أفسد ياتي باستئناف الصوم، لأن الواجب هو الصوم المتتابع ولم يات به، وهو عليه واجب، فيستأنف، وأما الناسِي أو المريض فقدْ اختل شرط الوجوب في حقه من حيث عدم العلم أو من حيث عدم القدرة، فإذا وجد الشرط عاد الواجب، فوصل الصوم بالصوم وكان ذلك متتابعا، وما كان قبله من فطر لم يفسد التتابع بين الصومين لفقد شرط الوجوب، بخلاف فطر المتعمد القادر، فبان وجه القول في غير الظهار.

وأما الظِهار ففيه ما في النَّذْرِ وزيادةُ شرط تقدم التتابع على إباحة الوطء، بل واشتراط أن لا يتخلل الوطء بين الصوم، وهذا لِأجل قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ


= وقد استشكل القرافي رحمه الله تعالى هذه الفتاوى، وقال: هي كلها مشكلة، من جهة أن لفظ الكتاب العزيز متعلق بطلبٍ، وهو قوله تعالى: "فصيامُ شهرين متتابعين" ومعْنَاهُ لِيَصُمْ شهرين متتابعين، فيكون خيرا معناه الأمر، أو يكون التقدير: فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين، وهذا هو الاظهر، لأنه أقرب لموافقته الظاهر من بقاء الخبر خبرا على حاله ... ثم قال بعد ذلك: والذي يظهر في بادى الرأي أن التفريق (أي بين الصوم المتتابع) مَتَى حصل بأي طريق كان، وجب ابتداء الصوم كما قلناه في جميع النظائر المتقدمة. لأن الصوم بوصف التتابع لم يحصل، ومتى لم يحصل المطلوب الشرعي مع إمكان الاتيان به، وجب الاتيانَ به، هذا هو القاعدة، ثم قال: والجواب عن هذا الاشكال ببيان قاعدة، وهي أن الاحكام الشرعية على قسمين: خطاب وضع وخطاب تكليف، فخطاب الوضع هو نصب الأسباب والشروط والموانع والتقديرات الشرعية (أي مِن قبل الشارع الحكيمِ)، وخطاب التكليف هو الأحكام الخمسة: الوجوب والتحريم، والندب والكراهة، والاباحة إلى اخر ما ذكره القرافي واختصره اليقوري هنا. رحمهم الله.
وقد علق الفقيه ابن الشاط على ما جاءَ عند القرافي في هذا الفرق بقوله: جميع ما قاله فيه صحيحٌ، الا قوله، فالفهوم من قوله تعالى في الظهار: "من قبل ان يتماسا" أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء ولا في أثنائهما وطء، فإنه ظهر منه بحسب مساق كلامه أن الآية تقتضى عدمَ تقدم الوطءِ مطلقا، وهذا لَا يصِحُّ ان تقتضِيهُ الآية لاشمالها على من تقدم وطؤها، وإنما المراد بالآية أن لا يتقدم الصومَ وطءٌ بعد الظهار، والله أعلم. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>