للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميقات الزماني. وقال الشافعي: لا يجوز، (١٧) فما وجْه الفرق؟ ، فقيل: هو - باعتبار، لفظيٌّ، وباعتبار، معنويٌّ.

أما اللفظي فهو أن المبتدأ قد يكون محصورا في الخبر ولابُدَّ، ولا يكون الخبر محصورا -ولابد- في المبتدأ، وهذا كنير، كقوله عليه السلام: "تحريمُها التكبير وتحليلها التسليم ". والشفعة فيما لم يُقسَم، فالمبتدأ في هذه محصور في الخبر، وليس الخبر محصورا في المبتدأ. فإذا كان الأمر هكذا، فقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ}، المبتدأ الذي هو الحج محصورٌ في الميقات، إمّا حصرًا يمنع غيره، أو يمنع الكمال في غيره، وأما المكاني فهو المحصور، حيث قال: هُنَّ، فأمكن أن يوجد الحج بدون تلك المواضع. (١٨).

وأما المعنوي فهو أن الِإحرام قبْل الميقات الزماني يُفْضِي إلى طول زمان الحج، وربّما أدّى ذلك إلى فساد الحج، وليس في الإِحرام قبل الميقات المكاني طول الحج، فلم يكن وسيلة إلى الفساد. (١٩)


(١٧) عبارة القرافي رحمه الله أظهر وبين، حيث قال: قال مالك رحمه الله: يجوز الاحرام بالحج قبل الميقات المكاني والزماني، غير أنه في الزماني يكره قبله، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز قبل الزماني فيحتاج الفريقان إلى الفرق بين القاعدتين، إمّا باعتبار الكراهة وعدمها، وإما باعتبار المنع وعدمه، والفرق من وجوه لفظية ومعنوية ... الخ.
وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ما قاله في ذلك صحيح ظاهر، غير قوله أن مالكا يكره الاحرام قبل الجيقات الزماني دون المكاني، فإن العروف من المذهب الكراهة فيهما معا، فلا يحتاح إلى الفرق، إلا على مذهب الشافعي". اهـ.
(١٨) قال ابن الشاط معقبا على مسألة حصر المبتدأ في الخبر: القاعدة العربية التي ادعاها القرافي من انحصار المبتدأ في الخبر مختلف فيها، والأصح عدم صحتها، وأن ذلك من باب المفهوم لا من باب المنطوق، فيجري فيه الخلاف الذي في المفهوم، وما أرى الامامين مالكا والشافعي بنيا عليها، والله أعلم.
(١٩) زاد القرافي هنا فرقا ثالثا معنويا آخر في هذا الموضوع وهو: أن الميقات المكاني يثبت الإحرامُ بعده، فيثبتُ قبله تسوية بين الطرفين، والميقات الزماني لا يثبت الإِحرام بعده بأصل الشريعة بل لضرورة، فلا يثبت قبله تسوية بين الطرفين، وهذا فرق بينهما بأن سوينا بينهما، وهو من الفروق الغريبة.
قال ابن الشاط معلقا على كلام القرافي هنا بأن الاحرام قبل الميقات الزماني يفضي إلى الطول الخ) كان يمكن أن يكون ما ذكره القرافي فرقا لا مذهب الشافعي، لولا أن الشافعي يقول في مذهبه القديم: إن إحرام المحرم من بلده افضل، استدلالا بقوله ص: من تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وقال في الجديد بكراهة الإحرام قبل الميقات، وتأوله اهل مذهبه، وعلى تقدير عدم تاويله لا حاجة إلى الفرق، إلا فيما بَين الكراهة والمنع ان لم تحملْ الكراهة عليه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>