للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة وجيزة، فمتى بقيت جلدة يسيرة لم تنقطع مع الجملة قتلت آكلها، لأن السم حينئذ يجرى من جهة الرأس والذنب في تلك الجلدة اليسيرة إلى بقية جسدها الذي هو الجزء الغليظ بسبب ما يحدث لها من الغضب عند الاحساس بألم الحديد.

وهذا هو معنى قول مالك: موضع ذكاتها، فهذا هو الفرق بين ذكاتها وذكاة غيرها من الحيوانات (٦)، فشرعت فيها هذه الذكاة هكذا للسلامة من سمها، لا لأن يخرج منها دم عند ذكاتها، اذ لا يخرج منها أصلا. وشرعت الذكاة في غيرها من الحيوانات لاستخراج الفضلات المحرمات من أجسادها بأسهل الطرق على الحيوان. ولاعتبار أسهل الطرق كان النحر في بعضها والذبح في بعضها وجواز الأمرين في بعض آخر (٧).


(٦) قال القرافي هنا رحمه الله: فهذا فرق من جهة صفة الأكاة، وفيها فرق آخر من جهة المعنى وهو أن الذكاة شرعت فيها لأجل السلامة من سمها، ولا يكاد يخرج منها دم عند ذكاتها البتة، وإنما المقصود السلامة من سم رأسها وذنبها، ولذلك تذكى من وسطها.
(٧) قال ابن رشد أبو الوليد الجد في المقدمات رحمه الله في هذه المسألة:
"وما يذكى على أربعة أتسام: قسم ينحر ولا يذبح، وهي الابل بجميع أصنافها، وقسم يذبح وينحر، وهي البقر وما جرى مجراها، وقسم يذبح ولا ينحر وهو ما سوى الابل والبقر مما له دم سائل (أي كالغنم والمعز، والطيور من الدجاج والحمام وغيرها)، وقسم تصح ذكاته بغير الذبح والنحر، وهو الصيد في حال الاصطياد، وما ليس له دم سائل. ثم ذكر الخلاف فيمن ذبح ما ينحر، أو نحر ما يذبح من غير ضرورة، هل لا يؤكل، سواء كان ساهيا أو متعمدا، وهو قول الإِمام مالك رحمه الله في كتاب ابن المواز، وهو ظاهر الدونة، وقيل يكره أكله الخ، أو يؤكل
مطلقا، سهوا أو عمدا، وهو قول أشهب.
وقد جمع الشيخ خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله في باب الذكاة من مختصره الفقهي تعريف الذكاة، وأنواعها وشروط المذكي، فقال: (الذكاة قطع مميز يُنَاكَح تمام الحلقوم والودجين من المقدم بلا رفع قبل التمام، ومن النحر طعن بلبة).
ومعنى قوله يناكح بفتح الكاف، أي يجوز التزوج منه ومصاهرته، لكونه مسلما، أو لكونه من أهل الكتاب: (اليهود والنصارى)، وبذلك يخرج غير المسلم، وغير الكتابي، وهو المجوسي فلا تؤكل الذبيحة بذكاته ابدا. قال الله تعالى في ذلك خطابا لعباده المؤمنين: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}. والمراد بالطعام المباح لنا منهم هو ذبيحتهم التي يذبحونها كما ذكره المفسرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>