للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى هذا التعليل فلا ذكاة في الجراد لأنه لا دم فيه، وكذلك سائر ما ليس له نفس سائلة. ومن يقول: العلة في الذكاة أن يحصل زهوق الروح سريعاً، يقول بذكاة ذلك كله، وهذا هو مشهور مذهب مالك رحمه الله، ومن لاحظ قاعدة أخرى وهي إلحاق النادر بالغالب أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر، وهو مشهور مذهب مالك أيضا. قال ابن وهب: ومن لاحظ أن ميتة البحر على خلاف الاصل، لقوله عليه الصلاة والسلام: "أحلت لنا ميتتان ودمان (٨) " لم يسقط الذكاة من هذا النوع، وياخذ بقوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة"، ويجري الخلاف ايضا على قاعدة اخرى، وهي: العام إذا ورد على سبب خاص هل يحمل على عمومه أو يخص بذلك السبب؟ ولا شك أن السبب هو الميتة التي كانوا يأكلونها من الحيوان البري، ويقولون: تاكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله.

ذكر شهاب الدين رحمه الله هاهنا مسألة، فقال:

قال صاحب البيان (٩): قال ابن القاسم: الدابة التي لا يؤكل لحمها إذا طال مرضها، أو تعبت من السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولا من قفاها لتحصل راحتها من العذاب، وقيل: تُعْقَر، لئلا يغري الناس بذبحها على أكلها.

وقال ابن وهب: لا تذبح ولا تعقر، لهي الت ى عليه الصلاة والسلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكله.

ثم قال:


(٨) تمامه، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. رواه ابن ماجة والحاكم، وصححه. فيكون هذا الحديث تبيينا وتخصيصا للآية الكريمة، وهي قوله تعالى في سورة الانعام: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}.
(٩) صاحب البيان هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد (الجد) القرطبي المالكي المتوفى سنة ٥٢٠ هـ من أكبر مؤلفاته: كتابه الفقهي الجليل، المسمى "البيان والتحصيل"، وقد طبع مؤخرا طبعة جيدة في عدة أجزاء بتحقيق من بعض أفاضل العلماء، وعلى رأسهم الدكتور محمد حجي، فجزاهم الله خيرا عن العلم والعلماء وخدمته بصفة عاية، وعن خدمة الفقه المالكي بصفة خاصة ..

<<  <  ج: ص:  >  >>