للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ السابع: أيمن الله، قال سيبويه: هو من اليمن والبركة (٢٢).

وقال الفراء: هو جمع يمين، فيكون الكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين.

ثم إذا قلنا: إنه جمع يمين، فيرِدُ عليه اشكال بسبب أنه حلف بحادث، فلا يلزم فيه كفارة. وكذلك يرِد الإِشكال على متأخري المالكية القائلين بلزوم أيمان المسلمين على من قال: وأيمان المسلمين تلزمني، أنه إن أراد القسم فقد حلف بمحْدَث، فلا يلزمه شيء، لِأن الكفارة لا تكون بالْمُحْدَث، وإن أراد أن يلزم نفسه موجبات الأيمان، فإن أراد بذلك أنها تلزمه من جهة أنها مسَّبَبات لأسبابها، وأسبابها لم توجد، فلا يلزمه شيء، لأن لزوم الاحكام بدون أسبابها موجود في الشريعة، بل الشريعة تنكره. وإن أراد أنها تَلزَمُهُ على سبيل النذر، فيفتقر ذلك إلى نية النذر والقصد إليه، وهذه الصيغة ليست موْضوعةً في الفقه له، والقائلون بهذا ما قالوا إنه من باب النذر (٢٣).


(٢٢) زاد القرافي هنا قوله: ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه: هو كناية، لتردده بيْنَ المحدث من تنمية الارزاق والاخلاق وبين القديم الذي هو جلال الله وعظمته، ومنه قوله تعالى: "فتبارك الله أحسن الخالقين"، و"تبارك الذي بيده الملك وهو كل شيء قدير"، أي كثر جلاله وعظمته وصفاته العلى.
(٢٣) علق ابن الشاط على هذا اللفظ السابع الذي هو أيمن الله على ما جاء فيه عند القرافي فقال: ما حكاه القرافي من الاشتقاق وغيره لا كلام فيه لأنه نقل. وما قاله من أن القائل إذا قال: أيمن المسلمين تلزمني، أنه حلف بمحدث، لأن أيمان المسلمين حلفِهم، وهو محدث، ليس بصحيح. فإن القائل ذلك إنما يقوله في حال يقتضى تأكيد خبره الذي يحلف عليه، وذلك قرينة تصرف قوله ذلك إلى قصده إلى ما يؤكد به الخبر شرعاً، أو إلى ما يلزم مقتضاه شرعا.
فعلى التقدير الأول يلزمه جميع يمين الله تعالى، إذ هو اليمين الشرعي، وأقل ذلك ثلاثة أيمان، فإذا حنِثَ يلزمه ثلاث كفارات، وقد قيل بذلك. وعلى التقدير الثاني يلزمه كل مل يلزمه شرعا من يمين ونذر وطلاق وعتق وصدقة، وقد قيل بذلك.
وما قاله القرافي من أن ذلك من باب لزوم الأحكام بدون أسبابها ليس بصحيح، بل ذلك من باب لزوم الأحكام بأسبابها عند القائلين بلزوم الكفارات على التقدير الاول، أو القائلين بلزوم جميع ما يلزم شرعاً بالتزامه على التقدير الثاني. وغاية ما في ذلك أن قائل أيمان المسلمين تلزمني لم يصرح فيه بلفظ اليمين الشرعي، ولا بالملتزم الشرعي، ولكنه يفهم من القرائن أنه عنى اليمين الشرعي أو الملتزم الشرعي، ومذهب مالك عدم اشتراط معينات الالفاظ، فاللزومُ بمقتضى اليمين الشرعي او الملتزمات الشرعية جارٍ على مذهبه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>