للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها يوجب الكفارة لاشتمالها على ما يوجب وعلى ما لا يوجب (٤٩).

وهاهنا ثلاث مسائل.

المسألة الأولى: إذا قال القائل: سبحان من تواضعَ كلُّ شيء لعظمته، هل يجوز هذا أم لا؟ فقال بعض فقهاء العصر: لا يجوز هذا الاطلاق، لأن عظمة الله تعالى صفته، والتواضع للصفة عبادة لها، وعبادة الصفة كفر، بل لا نعبد (٥٠) إلا الله تعالى، وذلك الذات الموصوفة بصفات الجلال.

وقال قوم: يجوز هذا الاطلاق، وهو الصحيح، لِأن عظمته تشمل الذات وسائر الصفات (٥١).

قلت: إن أراد بـ (تشمل أو تجمع) كما قال في كتابه شهاب الدين، أن العظمة تدل على الذات والصفات فذلك باطل، فإن الله اسم دال على تلك المعاني بالوضع، والعظمة اسم دال على معنى واحد من تلك المعاني التي دل عليها الله، وإن أراد أن العظمة تصدق على كل عظمة، سواء كانت عظمة الذات أو عظمة الصفات فقول صحيح، ولم يكن الإِشكال الذي قاله القائل منفصلا من


= المخلوقات والمصنوعات يقتضي بالضرورة افتقار الباري إلى بديع مخلوقاته حتى يكون كاملا، فكماله سبحانه في ذاته وصفاته أزلِي مطلق، وهو الغني غنى مطلقا عن خلقه، فالمخلوقات هي المفتقرة إلى ربها المدبر لأمرها والمصرِف لشؤونها، والله هو الغني الحميد، والله أعلم، وهو الموفق سبحانه للسداد والصواب، وسامح الله وغفر للجميع بمنه وفضله.
(٤٩) أي لاشتمال تلك الصفة الجامعة على ما يوجب الكفارة، وعلى ما لا يوجبها عند الحلف بها.
(٥٠) كذا في نسخة ع: نعبد بالنون والبناء للفاعل، وفي نسخة ح، ونسخة ثالثة اخرى: يعبد بالياء والبناء للنائب عن الفاعل، وهو ما في الأصل عند القرافي.
(٥١) قال ابن الشاط هنا: ما صحح (أي ما صححه القرافي في هذه المسألة) هو الصحيح لأن العظمة - كما سبق - عبارة جامعة لصفات الكمال، والتواضعُ. التصاغر والتضاؤل، ولا شك أن كل شيء ما عدا الذات الكريمة والصفاتِ الظيمة متصاغر متضائِل بالنسبة إلى تلك الصفات.
وقول ذلك الفقيه العصري: إن هذا التواضع عبادة، ليس بصحيح، وهو دعوى عَرِيَّةٌ عن الحجة فلا اعتبار بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>