للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الخامس: من صفات الله تعالى الجامعة (٤٧ م) لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة، وهي عزة الله، وجلاله، وعظمته، وكبرياؤه، ونحو ذلك.

وذلك لأنك إذا قلت: جل تعالى، فلك أن تقول: جَلَّ بكذا، فيدخل فيه حميع الصفات الثبوتية. وإذا قلت: جل عن كذا، دخل فيه جميع الصفات السلبية، ثم يشمل الصفات القديمة والحادثة من الثبوتية والسلبية (٤٨)، وكان الحلف


= وقد عقب ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ما تأوله القرافي من أن قول القائل: على ميثاق الله، جرى فيه عرف بنذر الكفارة، مجرد توهم، لا حجة عليه، وليس عندي كما توهم، بل قول القائل: علي ميثاق الله، جرى فيه العرف بأن المراد بها اليمين التي شرعها الله تعالى وجعلها ميثاقا بين عباده، فلزوم الكفارة ليس بنذر الكفارة، بل بالتزام اليمين. اهـ.
(٤٧ م) كذا في النسخ الثلاث جاءت كلمة الجامعة دون ذكر للموصوف بها. وعند القرافي ذكر لِهذَا الموصوف فقال: من صفات الله تعالى، الصفات الجامعة.
(٤٨) وبيان ذلك يقول القرافي: فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته السبعة التي هي صفة ذاته تعالى جل أيضًا ببدائع مصنوعاته وغرائب مخلوتاته، ويندرج في الثاني (وهو السلبية) جميعُ السلوب للنقائص، فيصدق أن الله تعالى جل عن الشريك وعن الحيز والجهة وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى.
أقول: وقد علَّق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند الإِمام القرافي هنا، وأتى فيه بتعبير عنيف ونقدٍ شديد في عبارة موجزة، ما كان ينبغي ولا يليق الإِتيان بها تجاه عالم فقيه، فكيف بعالم جليل وفقيه متضلع وأصولي متمكن، طبقت شهرته الآفاق مشرقاً ومغرباً، وشهدت بذلك مؤلفاته العلمية، وفي مقدمتها كتابه الفروق في القواعد الفقهية، هذا الكتاب القيم الهام الفريد في موضوعه وبابه، والذي اختصره ورتبه تلميذه الشيخ البقوري، ونقوم بتحقيقه وتصحيحه لإخراجه إلى الوجود، خدمة للعلوم الاسلامية، وإحياء لتراث علمائنا الاجلاء، رحم الله الجميع، وقابلهم بفضله وكرمه الواسع.
فقد فهم الفقيه ابن الشاط سامحه الله - فهما خاصا يمكن أن يكون محل تأمل ونظر وتعقيب، حين فهم من قول القرافي: "فكما أن الله تعالى جل بعلمه وصفاته السبعة التي هي صفة ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنوعاته وغرائب مخلوقاته"، فلم يستسغ الشيخ ابن الشاط هذه العبارة الاخيرة ولم يقبلها، وفهم منها أن ذلك يقتضِي افتقار الباري لبديع المصنوعات وغريب المخلوقات حتى يكون كاملا، وأنه المتبادِر إلى الذهن بكيفية لازمة وتلازمية، وهو باطل قطعا، بل هو الغني على الاطلاق"، وأرَى أن ذلك التلازم الذي فهمه الفقيه ابن الشاط ليس بلازم اولا، وليس بوارد على كلام الامام القرافي ثانيا. فجلال الله ثابت ومتحقق في ذاته وصفاته القائمة بذاته، وذاته سبحانه لا تدركها الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، كذلك جلاله سبحانه يظهر ويتجلى لمخلوقاته العاقلة المكلفة بالتكاليف الشرعية فيما أوجده وخلقه من عجيب المخلوقات وبديع المصنوعات في هذا الكون الالهى العظيم، فليس القول بأن جلال الله يظهر في تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>