والفرق بينهما أن الميثاق ونحوه جرى العرف بأن المراد به اليمين، ورزق الله ونحوه لم يَجْرِ عرف بذلك، وليس قول القائل: "علي رزق الله" كقوله: عليَّ صوم يومٍ، لأن رزق الله ليس اسما لطاعته فيلزم نذرها، وصوم يوم اسم (أي لطاعته). أقول: وهو تعقيب يبدو صحيحا، وتوجيه يبدو معقولا وسلِيمًا، استنادا إلى أثر العرف في تخصيص بعض الكلمات ومدلولاتها. كما علق ابن الشاط على ما جاء هنا عند القرافي من لزوم الكفارة في رزق الله وخلقه، مثل قول القائل: (علي ميثاق الله)، فقال: صدر القرافي كلامه بالعرف في نذر الكفارة، ثم خرج إلى العرف في نذر شيء من رزق الله. وهذا الذي خرج إليه اجنبي عن مسألة مالك رحمه الله، فإنه أوجب الكفارة في قول القائل: "علي ميثاق الله" ونحوه. وما قاله من أنه (أي الامر أو الْحُكْمَ) يدور مع العرف كيفما دار، صحيح إذا ثبت عرف" اهـ. أقول: وهذا أشبه بقول العلماء الفقهاء: الحكم يدورُ مع العلة وجودا وعدَماً. (٤٧) عبارة القرافي في هذه المسلة أوضح وأبين، فإنه قال فيها: مقتضى ما قاله مالك رحمه الله في قول القائل: "علي ميثاق الله وكفالته" أنه يوجب الكفارة، أنه إذا قال هنا: علي رزق الله أو خَلْقُهُ أن تجب عليه الكفارة، فإن المدرَك هنالك، إن كان هو أن العرف نقلها لنذر الكفارة في زمانه رضي الله عنه، فصار النطق بهذه العبارة نذرا للكفارة، فتلزمه بالنذْرِ لا بالحلف، لأنه مقتضى لفظ عليِّ، فإنها لا تستعمل إلا في النذر ونحوه، وليست من حروف القسم إجماعا، بل من حروف اللزوم والنذر، كقوله: لِله علي صوم يوم، وصدقةُ دينار، ونحو ذلك، فكذلك يلزمه هنا إذا وجد عرف في رزق الله وخلقه، وأنه صار قوله: على رزق الله أنه نذر أن يتصدق بشيء من رزق الله تعالى، أو ببعض خلقه من نبات أو جماد او حيوان مما يسوغ التصدق به كالبقرة والغنم ونحوهما، وأن يسوي بين المسألتين إن وجد العرف الموجب لنقلهما للنذر لزم، وإن لم يوجد العرف الناقل للنذر لم يلزم".