للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوى اليمين بالقديم، فإن الزام الكفارة بمجرد هذه الألفاظ من غير نية خلاف القواعد (٤٤).

المسألة الرابعة: السائل عن مثل هذه الصفات بأنها أزلية أو حادثة، جوابه بأنها أزلية على مذهب أبي الحسن، لأن المراد بها الإرادة، وبأنها حادثة على مذهب القاضي (٤٥).


(٤٤) قال القرافي هنا رحمه الله: واعلم أن الفتيا بإلزام الكفارة في هذه الالفاظ على ما نقله ابن يونس، إنْ لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى، فهو مشكلٍ، فإن اللفظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة، وإنما حملت على هذه الألفاظ القديمة مجازًا، ولم تشتهر في الارادة حتى صارت حقيقة عرفية في الارادة، بل مجاز خفي دل عند الشيخ أبي الحسن على أنه المراد باللفظ. والقاعدة أن الالفاظ لا تنصرف لمجازاتها الخفية إلا بالنية، وأن اللفظ لا يزال منصرفا إلى الحقيقة اللغوية دون مجازه المرجوحِ حتى تصرفه نية المجاز المرجوح، فإلزام الكفارة بهذه الالفاظ مِن غيرنيةٍ، خلافُ القواعد، بل ينبغى أن يقال: إن أراد بهذه الالفاظ صفة قديمة لزمته الكفارة والا فلا.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بِقوله: لا إشكال في ذلك، فإن اللفظ، وإنْ سُلِّمَ أنه حقيقة في أمور محدثة، مجاز غير غالب في الصفة القديمة، فقرينة الحلف به كافية في حمله على المجاز، والله تعالى أعلم. اهـ.
فليتأمل كلام هذين العالمين الجليلين في هذا الموضوع الهام الدقيق، فإنه مفيد في بابه وموضوعه، ومساعد على فهم الإشكاليات الفقهية التي تتعلق به في مجال الحلف بهذه الكلمات.
(٤٥) هذه المسألة جمع فيها القرافي رحمه الله بين البسط والوضوح والايجاز، فرأيت أن أنقلها وآتي بها من كلامه لتكون كشرح لما أوجزه واختصره الشيخ البقوري رحمه الله.
قال القرافي في هذه المسألة: إذا قيل لك: رحمة الله وغضبه قائمان بذاته أم لا؟ وهل هما واجبا الوجود ام لا؟ وهل كانا في الأزل أم لا؟ ونحو ذلك من الاسئلة، فخَرِّجْ جوابك في جميع هذه الاسئلة في جميع هذه الالفاظ على مذهب الشيخ أبي الحس وعلى مذهب القاضي، فعلى مذهب الشيخ تقول: قائمان بذاته، واجبا الوجود، ازليان، صفتان لله تعالى. وعلى مذهب القاضي تقول: ليسا قائمين بذاته، بل ممكنان مخلوقان حادثان، ليسا بأزليين، وكذلك جميع ما يرد عليك من اسئلة في جميع هذه الالفاظ.
أقول: والنفس إلى مذهب الشيخ ابي الحسن رحمه الله أُميل وأريح، والله أعلم، ورحم القاضي الباقلاني ورحم كافة المسلمين.
وقد علق ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله:
ليس مَا قاله إذا وقع التخريج على مذهب الشيخ ابي الحسن بمستقيم، لقوله تقول: قائمان بِذاته، واجبا الوجود، أزليان، لأن الرحمة على مذهب الشيخ أبي الحسن إرادة الثواب، والغضب إرادة العقاب، والإرادة واحدة لا تتعدد بتعدد متعلقها كإرادتنا، والله أعلم. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>