للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتواضع غيرَ العبادة، وهو القهر والانقياد لإرادة الله تعالى وقضائه وقدرته فالمعنى صحيح، ولا يلزم منه شيء (٥٣).


= مؤلفات عِلْمِ الكلام، وفيه خلاف معروف وعميق بين الاشاعرة والماتريدية من جهة، وبين المعتزلة من جهة اخرى، فالاشاعرة والماتريدية يقولون بالقول الثاني والمعتزلة يقولوت بالاول، فرارا من القول بالتعدد في فهمهم وحسب نظرهم في ذلك.
والذي يظهر ويحسن ان يقال في هذا المجال بالنسبة لكلام الامام القرافي هنا - وهو من هو تحقيقا وتدقيقا في العلوم والنقلية والعقلية كما تشهد بذلك مؤلفاته العلمية القيمة على اختلاف موضوعاتها، وكما شهد بذلك علماء عصره، ومن جاء بعدهم من أهل العلم وفضله، وكذا بالنسبة لتعقيبات الشيخ ابن الشاط عليه، وفي التوفيق بينهما، أنه خلاف في حال كما يقول الفقهاء. ذلك أن كلمة العظمة في جانب الله تعالى حين يقول المرء، سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، ينبغي ان ناخذها ونفهمها على أنها تطلق وتصدق على الذات الالهية الموصوفة بجميع الصفات الالهية الازلية التي وصف الحق بها نفسه، كما أن تلك الصفات الالهية الازلية هي صفات ازلية قائمة بالذات العلية في الازل وفيما لا يزال بدون حدود ولا نهاية، فالله تعالى كان بذاته وصفاته في الازل ولا شيء معه، وهو سبحانه الباقي بذاته وصفاته على الدوام، وذلك ما يومن به ويعتقده كل مسلم ومسلمة من امة الاسلام، فـ "كل شيء هالك الا وجهه" و"كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام".
وبهذا المعنى والتوضيح، والفهم والتوجيه يفهم كلام كل من القرافي وابن الشاط على وجه صحيح سليم، ويزول عن الفهم والادراك لتلك المعاني، كل التباس وإشكال، وينتفي كل غموض وإبهام يستصعبه ولا يستسيغه المبتديء ويستشكله ولا يهضمه المنتهي في مثل هذه المباحث الدقيقة المتعلقة بموضوع الصفات الالهية، والتي ينبغي اخذها واعتقادها مسلمة في بَسَاطَةِ ووضوح، كما جاء بها القرآن الكريم، وورد بها الحديث الصحيح عن النبي المصطفى الامين، وتناولها علماء التوحيد في مؤلفاتهم الكثيرة، تارة بالوضوح والبساطة، وتارة بالاقناع والادلة النقلية الساطعة، والبراهين والحجج العقلية المقنعة. وهي طريق ايسر وأسلم، إذ هي طريق ومنهج السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم بإحسان، ومن سلك مسلكهم ونَهَجَ نهجهم من العلماء الراسخين، الذين يقولون في مثل هذه المباحث الاعتقادية ونظائرها مما يتعلق بالمحكم والمتشابه من الآيات القرآنية: "آمنا به كل من عند ربنا. وما يذكر الا اولوا الالباب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك انت الوهاب"، والكمال المطلق إنما هو لله وحده، وفوق كل ذي علم عليم، والله بعباده المومنين رؤوف رحيم.
(٥٣) زاد القرافي هنا قوله: "فإن جميع العالم مقهور بقدرة الله تعالى وقدره، فالتواضع بهذا التفسير سائغ لا محدور فيه، بل يجب اعتقاده.
وعقب عليه ابن الشاط بقوله: ما قاله في ذلك صحيح.
ثم زاد القرافي هنا قوله: فهذا تلخيص الْحق في هذه المسألة والفتيا فيها (أي مسألة قول القائل: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته).
وعقب عليه ابن الشاط بقوله: تبين تلخيص الحق في المسألة على غير الوجه الذي قال، واللهُ أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>