للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: أن هذه الصفات، تارة تكون بلفظ التذكير، نحو جلال الله، وتارة تكون بالتأنيث نحو عزة الله وعظمته.

ثم عزة الله تُستعمل مذكرا ومؤنثًا، بخلاف عظمة الله ما ينطق بها إلا مؤنثا. والعربُ معلوم من لسانها أن تاء التأنيث إذا لحقت المصدر أفادته الوحدة كقوله: ضربته ضربا، ثم تقول: ضربة. فالمذكر كأنه يعم جميع أنواع العز، والمؤنث كأنه اسم لنوع من أنواع العِز، فإذا عم اجتمع المعنى القديم والحادث، وكان على حسب ما مضى، وإذا لم يعم يحتمل أن يراد به العز الذي لا نظير له في مخلوقاته، فهو معنى قديم، فيصح الحلف به، ويحتمل أن يراد به النوع الآخر من العز الذي يوجد في المخلوق فلا يصح الحلف به (٥٤)

المسألة الثالثة: قال عبد الحق في تهذيب الطالب: الحالف بقوة الله وعظمته وجلال الله، عليه كفارة واحدة. ووجه ذلك أنه إنما حلف بمجموع الصفات المتعددة، والمجموع شيء واحد لَا أشياء كثيرة، فكانتْ الكفارة واحدة ولم يتعرض لِلُّزوم. ووجهه أنها اشتملت على الموجب وعلى غير الموجب، فتجب الكفارة للموجب.

قلت: هذا التوجيه يوجب ألا تكون الكفارة واحدة، وهو مخالف لقوله: المجموع واحد، فلذلك اتحدت الكفارة (٥٥)، والله أعلم.


(٥٤) علق ابن الشاط على ما جاء في هذه المسألة الثانية (وهي الثالثة عند القرافي) بقوله: الصحيح على ما سبق أن لفظ العزة ونحوها لا يتناول محدَثا (حادثا)، فلا يصح ما قاله في لفظ العزة من احتماله المحدث (بفتح الدَّال)، وما حكاه القرافي عن صاحب اللباب (في شرح الجلاب عن مالك رحمه الله في الحلف بعزة الله، هل توجب كفارة أم لا؟ فيه روايتان) وفي لزوم الكفارة للحالف بذلك روايتين ليس مدرك اختلاف قوله عندي ما ذكره الشهاب من احتمال المحدث، بل المدرك عندي احتمال لفظ العزة أن يكون مدلوله أمرا ثبوتيا وأمرا سلبيا، فإنه شبحانه عز بصفات كماله الثبوتية كما عز بصفات تنزيهه السلبية، والله أعلم.
(٥٥) قال ابن الشاط هنا: لا يندرج حادث تحت لفظ العزة ونحوه، فما أشعر به كلامُه بأن عبد الحق أغفل التنبيه عليه ليس الامر كذلك، فلا محذور في اليمين بعزة الله تعالى ونحو ذلك. فبِحق إن أعْرَضَ عن ذلك عبد الحق، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>