للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فها تقييدُ المطْلَقات، كما إذا حلف لَيكرمن رجلا وينوي به زيداً، فلا يبرأ بإكرام غيرِه، لأن رجلا مطلق، وقد قيد بخصوص زيد، فصار معنى اليمين لأكرمن زيداً (٧٢).

ومنها تخصيص العمومات، كقوله: والله لا لبست ثوباً، وينوي إخراج الكتان من يمنيه، فيصير هذا العموم مخصوصاً بهذه النية (٧٣)، ومن تخصيص العمومات أن يقول: كل حلال، عليِّ حرام، فينوي محاكاة زوجه (٧٤).

ومما يكتفى فيه بالنية ولكنه على خلاف، ما دل اللفظ عليه التزاما، قالت الحنفية: لا تؤثر. النية فيه تقييدا ولا تخصيصا، وقالت بقية الفرق: تؤثر فيه كالمطابقة (من غير فرق).

وهذا مثل قول القائل: والله لا أكلت، فقالت الفرق الشافعية والمالكية: يجوز أن ينوى مأكولا معينا، فلا يحنث بأكل غيره. وقالت الحنفية: لا يجوز دخول النية هاهنا، وإن نوى بطلت نيته وحنث بأي ماكول أكله، فإن اللفظ إنما دل مطابقة على نفي الأكل الذي هو المصْدَرُ، ومن لوازم المصدر ماكولٌ مَّا،


(٧٢) قال الشيخ ابن الشاط رحمه الله عن هذه المسألة: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.
(٧٣) قال ابن الشاط في هذه المسألة هنا: ليس هذا تخصيص العموم، بل هو الاستثناء بالنية وهو محل خلاف، وأما التخصيص بالنية فهو أن يقصد ما عدا الكتان خاصةً ولا أراه إلا محل وفاق.
(٧٤) هذه المسألة هي المحاشاة، كما قال مالك رحمه الله: إذا قال القائل: كل مال علي حرام، يلزمه الطلاق، إلا أن يحاشي زوجته (أي أن يستثنيها) وقال الأصحاب: يكفي في المحاشاة مجرد النْية، والسبب في ذلك أنها تخصيص بعينه من غير زيادة ولا نقصان. والتخصيص يكفي فيه إرادة المتكلم فاعلم ذلك، فهذه مواطن الاكتفاء بالنية إجماعًا.
وقد عقب الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله:
الصحيح أن المحاشاة هي الاستثناء بعينه لا التخصيص، ولكن لما سبق له توهم أن إخراج بعض متناول اللفظ العام هو التخصيص، قال: إن المحاشاة هي التخصيص وذلك غير صحيح، وقد تقدم ذلك والكلام معه فيه في الفرق التاسع والعشرين.
ثم علق على قوله: فهذه مواطن الاكتفاء بالنية إجماعا، فقال ابن الشاط: ذلك صحيح إلا في المحاشاة فإن الخلاف فيها معلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>