لا شك أن العموم في الوجهين، ولكن الفرق متى وقع اختلاف الحكم، أن الإثم مترتب على وقوع المفسدة، والمفسدة تتكرر بتكرار المنهي عنه، وأما الكفارة فهي مرتبة على وضع الشرع لها وبالوجه الذي وضعها عليه، والشارع إنما وضعها مرتبة على الحنث الذي هو نقيض الفعل المنفي العام، والنقيض له جزئي. ولما أوقعها على ذلك لم تتكرر كما لا يتكرر الشيء المرتب على الشرط بحرف إن، كأن يقول: إن دخلت الدار أكرمك، فإن وقع هذا مرة لزم الإكرام، ثم لا يلزم بعد ذلك لأنها لا عموم فها (٨٩) فكذلك مسألتنا إنما رتبت الكفارة على ما قلناه لا على الفعل العام ولا على تأكيده باليمين، بل على الحنث، وهذا لأن الثبوت المناقض لذلك هو مطلق الثبوت. فإذا حصل لزمت الكفارة، والمطلق يخرج على عهدته بصورة واحدة إجماعا كإخراج شاة من أربعين.
وأيضا فيصح أن يقال: الكفارة لو كانت تتكرر بتكرر المخالفات لليمين لشق ذلك على المكلَّفِين، والحرج غير موجود في الشريعة. وتحقيق الحرج بأن ينظر إلى حالة الأوبة والرجوع إلى الله، فإذا ذلك لا يبرئه إلا الكفارات المتعددة، وفي ذلك حرج، وربما كان ذلك مانعاً من الرجوع إلى التوبة وإصلاح ما مضى. وأما الآثام فهي - وإن تكررت - إذا كان الرجوع إلى الله، التوبة تسقطها بأجمعها، وذلك الندم عليها، وعمارة الوقت بضدها من الخير، ولا خفاء بتيسيرها.
فإذا تقرر لِمَ كان أمر الأيمان لا تتكرر فها الكفارات بتكرر المخالفات، وبانَ وجْهُ الفرق بينهما وبين النهي في تكرر الآثام، فاعلم أنه وقعت صورة اختلف العلماء في بعضها أو في كلها، وهي الحنث للنسيان أو للجهل أو للإكراه. فمذهبنا اعتبار الحنث في هذه الأحوال الثلاثة. ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة وأحمد
(٨٩) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا الفرق بقوله: ما قاله فيه صحيح، غير قوله: "بل الشرط مطلقا إنما يقتضى مرة واحدة" فإنه غير صحيح، فإنه لو اقتضى المرة الواحدة لما كان مطلقا، بل كان مقيدا باقتضاء المرة الواحدة دون غيرها. وإنما وقع الاكتفاء بالمرة الواحدة لضرورة لزوم تحصيل مقتضى التعليق، ولا أقل من المرة الواحدة في التحصيل.