للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حنبل على الإكراه على اليمين، وخالفنا أبو حنيفة في الإكراه على الحنث، ووافقنا في النسيان والجهل.

فأما من قال بأن لا حنث في الأحوال الثلاث فوجهه أن الأيمان إنما وضعت للحنث على الموافقة والرد عن المخالفة. وهذا المعنى معتبر عند العلم والذكر وعدم الإكراه، فلا حنث في الأحوال الثلاثة.

وأما من يقول: الحنث في الكل، فلأن المعتبر عنده اليمين بأى وجه حصلت، وهي حاصلة من غير اعتبار للقصد باليمين. فلا حنث، أو مخالفة فيقع الحنث. ومن يقول بالفرق بين الإكراه والحالتين الأخريين، فلأنه يقول: المعتبر في المخالفةِ الفعل المكتسب بطريق الاختيار، إذ الحلف وقع على الفعل المختار المكتسب، فيحنث في النسيان، ومع الجهل، ولا يحنث مع الإكراه (٩٠).

وقال شهاب الدين رحمه الله: الأولى من هذه الأقوال قول الشافعي، وهو أن لا حنث مع النسيان ومع الجهل ومع الاكراه، قال: وهذا أحد الاقوال عندنا، بسبب أن الباعث على الحلف للحالف إنما هو أن تكون اليمين حاثة له على الترك، وإلا كان يكفيه العزم على عدم الفعل من غير يمين (٩١).

وإنما أقدم على اليمين ليكون استحضارها في نفسه مانعا من الإقدام والإِحجام، فلم تكن اليمين موضوعة لحالة النسيان ولا لحالة الجهل ولا لحالة الإِكراه (٩٢) والله أعلم.


(٩٠) فيَ نسختي ع، وح: والحنث، والصواب ما في نسخة ت: ولا يحنث بالنفي، وهو الذي يقتضيه المعنى.
(٩١) زاد القرافي قوله هنا: ويستريح من لزوم الكفارة.
(٩٢) قال القرافي هنا: فإذا نسيها لم يقصد بهذه الحالة حالة الحلف، بل مقصود محصور في حالة حضورها في نفسه حتى نزعه، وكذلك العلم بعين المحلوف عليه شرط في الحنث به، فإذا جهله استحال مع الجهل الحنث على ما لا يعلمه، فهذه الحالة يعلم خروجها عن اليمين بقصد الحالفين، فلا يلزم فيها حنث، ويشترط التكرار.
قال: وأما الإكراه على اليمين فلقوله عليه الصلاة والسلام: "لا طلاق في إغلاق" أي في إكراه، فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم، ورأى أبو حنيفة أن الإكراه على الحنث لا يؤثر كما قاله

<<  <  ج: ص:  >  >>