للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصل له الانبساط، وترجية الناس وما أشبه (١٧) هذا. والحب ينشأ (١٨) عليه الشوق وخوف الفراق، وأنسُ التلاق، والسرور والفرح، والحياء يحمل على ألا يقع في مخالفته في قول ولا فعل، والحياء يحمل على الهابة والاجلال، وهما أعظم من الخوف والرجاء. ثم الآثار الظاهرةُ على الناس تعرف بمؤثراتها من أحوال ومعارف، فكانت كذلك تميز الفاضل من غير الفاضل، والأفضل من الفاضل، والأكمل من الكامل.

ثم إذا علمتَ أن الاعماق -وهي الآثار- مرتبة على الأحوال القلبية والمعارف فاعلَم أن درجات المحبة مختلفة باختلاف الأعمال. فليست درجات المجاهدين واحدة، بل تختلف بحسب مجاهداتهم. فللمجاهدين مائة درجة في الجنة، يترتب أعلاها على أعلى رتب الجهاد، وأدناها على أدناها، وكذلك رتب المصلين والصائمين والولاة المقسطين. وعلى هذه الدرجات يتزلب سبقهم إلى الجنات. فإذا تساوى اثنان في الإيمان والعرفان، فإن استويا في مقادير الإيمان (١٩) الحقيقي والحكمي، فدرجتهما واحدة فيما استويا فيه، وإن تقاربا في القِلة والكثرة، كانت درجة ذي الكثرة أعلى من درجة ذى القلة، ولو استوى اثنان في عدد الصلاة، فإن استويا في كمالها بسننها وآدابها وخضوعها وخشوعها، وفهم إدراكها، فهما في درجة واحدة، وإن تفاوتا في ذلك كان أكملها أعلى درجة من أنقصها.

وان استوى اثنان في جهاد الدفع، فإن استويا في الإخلاص وارادة اعلاء كلمة الله وفي المدفوع عنه فدرجتهما واحدة، وان تفاوتا في النية وكثرة من قتلا وفي شرف المدفوع عنه، كالدفع عن الأنبياء والأولياء، كان أشرفهما في الدرجة العليا، والآخر في الدنيا، وكذلك جميع ما يتقرب به إلى الله تعالى.

ومعنى تفاوت الدرجات، أن يكون لكل واحد من العاملين نصيبه من الجنة درجات مترتباتٍ على رتب أعماله: عاليات ودانيات، ومتوسطات، يتردد


(١٧) ن ح: وما ناسب.
(١٨) ن ح: ينبني
(١٩) ن ح: في الدِين.

<<  <  ج: ص:  >  >>