للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شك أن الوسائل تتْبَعُ المقاصد في الأحكام، فالمحرَّم وسيلتُه محرَّمة، والواجبُ

وسيلته واجبة، وهذا قد تقرر فيْ غيرِ هذا الْمَوْضِعِ (١١).

فإذا كان كذلك فلاشكّ أن تَزوُّج المرأة على ضَرَّتِها يُكسبُ شحْنَاءَ وعداوةً، وذلك محرَّم مطلقا، فما أدّى إلى ذلك يَجب أن يكون محرَّما، فكان يحتمل هذا أنْ لا سبيلَ إلى التزوج على زوجهِ، وقدْ أخِذ بهذا في مِلّة عيسى عليه السلام، وهو من باب تغليب مصلحة النساء على مصلحة الرجال، فإن الرجال متضررون أيضا بالحصْر والمنع، وقد كانتْ ملة موسى عليه السلام بإباحة ذلك مطلقا من غيْرِ حصْرٍ في شئٍ، فكان فيها أيضا تغليبُ مصلحة الرجال على مصلحة النساء. ولمّا جاءت هذه الشريعة الكريمة توسطتْ بين المِلّتين، فرفَعتْ الضرر الكبيرَ عن الرجال وعن النساء، فأباحت الجمحَ بين أربعٍ لا غَيْرُ.

قال شهاب الدين رحمه الله: وسِرُّ الاقتصار على ثلاثٍ في المُضَارَّة أن الثلاث اغْتُفِرتْ في. مواطنَ، فتجوز الهجرة ثلاثةَ أيام، (١٢) والإِحدادُ على غيْر الزوج (١٣) ثلاثةَ أيام، والخِيَارُ ثلاثة أيام. (١٤) والمُصَرَّاةُ ثلاثة أيام، وهذه جارية على غيْر الاصول، فَحُدَّتْ بذلك العَدَدِ.


(١١) أنظر القاعدة الثامنة من قواعد العِلل في الجزء الأول المطبوع من هذا الكتاب. ص ١٢٠ - ١٢١.
(١٢) إشارة إلى حديثِ النهيْ عن هجْر المسلم لأخيه المسلم أكْثَرَ من ثلاث ليال.
فعَنْ أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثِ ليال، يلتقيانِ فيُعْرض هذا ويُعرِض هذا، وخَيْرُهما (أفْضَلُهُما وأكثرهما أجرًا وثوابا عند الله) الذي يبدأ بالسلام"، رواه الشيخان: البخاري ومسلم، وغيرهما، رحمهم اللهْ جميعا.
(١٣) إشارة إلى حديث النهْي عن إحداد المرأة على غير زوجها أكثرَ من ثلاث ليال.
والْإِحدادُ، لغةً، هو المنع، وشرعًا: ترْك الطيب والزينة للمرأة المعتدة من وفاة زوجها، وامتناعُهَا عن ذلك إلى حين انتهاءِ عدة الوفاة. وأصْلُهُ حديثُ أمّ عطية رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تُحِدُّ امْرأةٌ على ميتٍ فِوق ثلاثٍ، إلا على زوجٍ، أربعةَ أشهر وعشْرًا، ولا تلْبَسُ مصبوغا، ولا تكتحل ولا تمس طيبا" متَّفَق عليه بين البخاري ومسلم. رحمهما الله.
(١٤) إشارة إلى خيار الشرط، وهو أن يشتري أحد المتبايعَيْن شيئا على أساس أن يكون له الخيار في إمضاء البيع أو فَسخه مدةَ ثلاثة أيام: وأصْلُهُ حديثُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل بَيِّعَيْن لا بيع بينهما حتى يتَفَرَّقا إلا بَيْعَ الخِيار"، متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>