للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لم يُعْطِ سِرَّ الاقتصارِ على أربع، فإن كونه يقول: هذا هنا كما كان هنالك، ونحن لا نعرف لِمَ كان هنالكَ، أوْ إن عرَفناه، لعَلَّ هذا الموضع يخالف تلك المواضع. غيرُ كافٍ ولا واضحٍ. وأيضا فالاقتصار هنالك على ثلاثٍ، وقضِيَّتُنا الجمعُ بين أربع.

ويمكن أن يقال: كان التحديد بأربع من حيث إن تَزَوُّجَ الأكثر من هذا يَجْمَعُ ضرريْنِ على النساء: الضَّرَرُ الواحد ضَرر الشحناء المذكور بينهن، والضرر الآخَرُ، أن الرجُل يضعُفُ عن القيام بأكثرَ من أربع من حيث الوطء غالبا، فلمّا تضاعفتْ المضَرَّةُ في موضع، أسقِط، وأجيز ذلك حيث لم تَتَضَاعف. وما أبيحَ له - عليه السلام هو التسع إلا لقوةٍ له ليست لغيره (١٥) لا من حيث الأخلاق ولا من حيث غيرُها.

قال شهاب الدين رحمه الله:

وحافَظَ الشرع على القرابة القريبة وصانَها عن التفرق والشحْناء، فلا يُجْمَعُ بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، ولا بين الأختيْن. ولما زاد قرابةَ الأم مع البنت كان لا يجوز الجمْع ولا أزْيَدُ من الجمع، وهو أن البنت إذا كانت زوجةً حرُمَتْ الأم مطلقا، وكذلك الأمُّ حَرُمتْ البنت مطلقا أيضا. ويَلِي ما ذُكر -أولا- الجمعُ بين


والمُصَرَّاةُ بضم الميم وفتح الصاد هي الناقة أو الشاة أو البقرةُ التي يُتْرَكُ اللبَنُ في ضرعها أياما حتى يَعْظُمَ، فتشتد رغبة المشتري لها حين يراها كذلك. والتصرية منهي عنها، ويَثبتُ الخيارُ بالرد لمن وقع في ذلك. وأصْلُ النهْي ودليلُهُ: الحديث المتفَقُ عليه، والمروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تُصِرُّوا الابل والغَنَم، فمن ابتاعها (أي اشتراها على تلك الحال) فهو بخيْر النظريْن بعدَ أن يحلبها: إن شاء أمسك، وان شاء ردَّها وصاعًا من تمر". فهذا الحديث أصل كذلك في النهي عن الغش، وأن التدليس لا يُفسد أصل البيع، وأنَّ مُدَّةَ الخيار ثلاثةُ أيام، وأنَّ التصرية مُحرَّمة، ويثبت الخيار بها.
(١٥) كذا في نسخة ع، وح. وفي نسخة ت: "وإنما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم التسع، لأن القوة التي له ليست لغيره". والحصر متحقق وحاصل بكلتا العبارتين، سواء بالنفي والإِثبات، أو بأداة إنما، كما هو معروف ومقرر في علم المعاني من علوم البلاغة: البيان، والمعاني، والبديع بمحسناته اللفظية والمعنوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>