كما أن أصل النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها في العصمة الزوجية، وأساسَ تحريم ذلكَ الجمعِ بينهمَا تحريما مجمعا عليه، هو الحديث الصحيح المتفق عليه بين البخاري ومسلم، والمرويُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يُجْمعُ بين المرأة وعمتِها ولا بين المرأة وخالتها"، ويقاس عليهما ما ذكره هنا كل من القرافي والبقوري رحمهما الله. (١٦) وفي ذلك قرَّر الفقهاء القاعدة المعروفة وهي: العقدُ على البنات يُحَرم الامهاتِ، والدخولُ بالأمّهات يحرمُ البنات، وسياتي في الفقرة الموالية كلام للقرافي يفيد أن حِرمة العقْد على الأمهات يُشترَط فيهَا الدخولُ بالبناتِ لا مجردُ العقد عليهن، وذلك منقول عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو خلافُ القاعدة السابقة المعروفة والمشهورة عند الفقهاء وفي: مختلف كتبهم الفقهية، وهي أن العقد على البنات يحرم الأمهات، وهي المعمول بها عندهم، فليُنظَر، وليتُحَقَّقْ من ذلك. وعبارة القرافي هنا هي قوله: "ولمّا كانتْ الأم أشدَّ بُرُورا بابنتها من الابنة بأمها لم يكن العقد عليها (على الام) كافيا في بغْضِها لابنتها إذا عقد عليها، لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته، فاشترط في التحريم إضافة الدخول إلى العقد، وكان العقد كافيا في بغض البنت (لأمها) لضعف ودها فتحرم بالعقد، لئلَّا تعقَّ أمها، فهذا تخصيص أمر الزوجات. (١٧) هكذا جات هذه الكلمة عند كل من القرافي والبقوري رحمهما الله، وكان الأولى والانسَبُ عدَمَ إيرادها، والاكتفاءُ بِذكر الخدمة، والاقتصارُ عليها بالنسبة للإماء، فإن المبادئ العامة والاحكام الشرعية في الاسلام تُكَرِم الانسان، وتامُرُ بتكريمه وعدمِ إهانته واحتقاره بأي نوع من انواع الاهانة بغَضِّ النظر عن حاله، من كونه حرًا، أو رقيقا رغب الاسلام في عتقه بإحدى الكفارات المتنوعة، أَوْ من كونه خادِمًا، كما جاء في حديث: "إخوانكم خَوَلُكُم (أي خَدَمُكُمْ)، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تُطعِمون، واكْسوهم مما تَكسون، ولا تكلفوهم، (مالا يطيقون)، فإن كلفتموهم فأعينوهم". فلْيُتَأمل ذلك وليحقق، والله أعلم بالصواب.