للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البنت، لِلآية، فإن قوله: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} صفة تعقَّبَتْ الجملتين (١٨) فتعمُّهُما كالشرط والاستثناء (١٨ م)

والشافعي مذهبه في هذه القاعدة العموم، ولكنه قال هنا بخلاف أصْله، بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخفوض بالإضافة، والنساءُ في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو مِن، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف على الأصح، فلو كان صفةً للجملتين لعَمِلَ في الصفة الواحدة عاملان، وهما: الإضافة وحرْف الجر، واجتماعُ عامليْن على معْمول واحد، ممتنعٌ على الأصح، فهذا هو المانع للشافعي من الجري على أصله هنا.

قلت: ممّا يتقَوى به ما قاله شهاب الدين مِن عَوْد الوصف إلى الجملتين أن الوصف مبني لا مُعْرَبٌ، وإذا انتفى الإعراب انتفى العامل الذي يعْمَله وَيُحْدِثه، ولا يبقَى إلا صلاحيةُ ذلك من حيث المعنى، وهو صالح، وما ذكره النحويون إنمَا هو من حيث الإِعرابُ، وذلك الاعتبار يُفْقَدُ في المبنِيّ، فالصواب عوْد القيْد إلى الجملتين، جرْيا على القاعدة المقررة التي يقول بها الشافعي، والله أعلم. ورأيت أن ما ذكرهُ هنا شهاب الدين زائدًا على ما نقلتُه عنه، لا يحتاج إِليه، فأسقطته ومَا ذكرتُه، واللهُ أعْلَمُ،


(١٨) المراد بهما قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}، أيْ فهذا الوصف صفة للنساء في الكلمة الاولى والكلمة الثانية، فإن الشرط والاستثناء الواقعيْن بعد جملتَين أو كلمتين، أو عدةِ جمل، يَرْجِع إليهما كل من الشرط والاستثناء، وهو رأىُ الامام مالكٍ والشافعي رحمهما الله، وأما الإِمام أبو حنيفة رحمه الله فمذْهبُهُ تخصيصُ الجملة أو الكلمة الأخيرة بالشرط والاستثناء، ويُرَجِّحُ ذلك التخصيص على أساس القرب أي القرب بين الشرط ومشروطه، وبين الاستثناء والمستثنى منه، وبين الصفة والموصوف في الجملة أو الكلمة، وهي الكلمة أو الجملة الأخيرة، فيخصها بالاستثناء والشرط.
(١٨ م) زاد القرافي هنا توضيحا وبيانا فقال: "فتعُمُّهما، كالاستثناء والشرط إذا تعقّبَا الجُمَلَ عمَّا، والعجَبُ أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الاستثناءَ والصفةَ إذا تعقبا جُمَلًا عمَّها، وخالِفَ أصلَه هاهنا ولم يقل به هاهنا. وجوابُهُ أنَّا نمنَعُ العَوْد هاهنا على الجملتين، وإن سلمنا أنه يعُود في غير هذه الصورة، بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخْفوض بالاضافة، والنساءُ في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو مِنْ" الخ ...

<<  <  ج: ص:  >  >>