للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صباحا نطفةً، ثم أربعين عَلَقَةً، ثم أرْبعين مُضْغة، ثمّ يُنْفخُ فيه الروح" (٢٧)، الإِشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا، فإن الأربعين تَقْرُبُ من الثلاثين، والخمسةِ والثلاثين، والخمسةِ والاربعين، وهي متوسطة بين هذه الأطوار، فهذا هو مَعنى الحديث، لا أنه على ظاهره في جميع الأجنّة، ولو كان على ظاهره لكانت الحركة في أربعة أشهر، ويكون الوضعُ في اثني عشر شهرا. وهذه الصورة صحيحة، ولكنها نادرة، وكلام الرسول عليه السلام لا ينبغي أن يُحْمَل على النادر، بل على الغالب.

قلت: قطع شهاب الدين - بِما ذكرَه المشرحون - بطرق التأويل إلى ما جاء في الحديث، وتاويلُهُ من أبْعدِ شيء، فالأوَلى دفع ما قاله المشَرِّحُون، فنحن لا نعرف هل اتفق المشرحون على ذلك أم لا؟ ثم بعْدَ الاتفاق يبقى معَنا الشك فيما


(٢٧) ونصه بتمامه: عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: "إن أحدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقهُ في بطن أمه أربعين يوما نطفةً، ثم يكون علقة مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثلَ ذلك، ثمّ يُرْسَلُ اليه الملَكُ فينفخ فيه الروحَ ويُومَرُ بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشَقِيٍّ أو سعيد. فواللهِ الذي لا إلاه غيرُه، إنّ أحدَكم لَيعمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكونَ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن أحدكم لَيَعملُ بعمل أهل النار حتى ما يكَونَ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". أورده الشيخ الامام مُحْيي الدين أبو زكرياء، يحيى بن شرف الدين النووي رحمه الله، ضمن أحاديثهِ الاربعين النووية، نقلا عن الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله.
والحديث يشير إلى الآية الكريمة الآتية، وهي قولُ الله تعالى في أول سورة الحج (٥)، في معرض الاستدلال على بعث الناس من قبورهم يوم القيامة: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}، كما يشير الحديث إلى الآية الكريمة الاخرى المذكورة في سورة "المؤمنون"، وهي قوله سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}. صدق الله العظيم. الآيات ١١ - ١٦. سورة "المؤمنون".

<<  <  ج: ص:  >  >>