للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرَ أبويه، وقد يأتي شبه أبويه ليس منهم، لأن الزاني بأمه كان يشبه أباه أو أحدًا من قرابته، فهو لا يطرد ولا ينعكس، فلا يجوز الاعتماد عليه.

واحتج الشافعي ومالك رضي الله عنهما على صحة الإلحاق بذلك بما أخرجه مُسْلم من دخوله - صلى الله عليه وسلم - على عائشةَ مسرورا، فأخبرها بما قال المدلجي في أُسامةَ وزيدٍ حيث قال: "هذه الأقدام بعضُهَا من بعض". والحجة من حيث إنه سُرَّ بمقَالتِه، وهو عليه السلام لا يُسَرُّ إلا بحق، ولا يُسَرُّ بباطل ولا يُقِرُّ عليه.

أجاب الحنفية بأنه سُرَّ بذلك لقيام الحجة على الكافرين على ما كان الأمر عندهم وإن كان باطلا في نفسه. قالوا: ومِن هذا أنه عليه السلام سُرّ بآية الرجْم (٣٠ م) حينَ وُجِدَت في التوراة وهو لا يعَتقد صحتها، بل لقيام الحجة على الكفار.

أَجاب الأصحاب عن هذا بأن قالوا: ذلك الاحتمال بعيد. وتحقيق ما قلناه من حيث الحديث الذي جاء عنه في حديث الِلعان حيث قال: إن جاءت به كذا فهو لفلان، وإن جاءت به كذا فصَدَقَتْ وكذَب علَيها (٣١)، فإنه إذا كان هذا تثبيتا للالحاق


وثبتت ببينة ويقين، فحينئذ يكون سوء الظنّ مبنيا على أساس ويقينٍ، وتُتخَذُ الاجرآت والأحكام المشروعة لمثل هذه الحالة من طلاق ولعان أوْ حَدٍّ، وغيرهما، أمَّا قبل ذلك فلا. فعَنْ ابي هريرة ايضا رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيُّما امرَأةٍ أدْخلتْ على قوْمٍ من ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيُّما رجلٍ جَحدَ ولدَه، وهو ينظر إليه احتجب الله تعالى منه، وفضحه على رؤوس الاولين والآخرين". رواه من ائمة الحديث والسنة، ابو داود والنسائي والحاكم وصححه. فرحمهم الله جميعا، ورزقنا السلامة والعافية، والستْر في الدنيا والآخرة.
(٣٠ م) يراد بآية الرجْم ما رواه الشيخان عن عمر ابن الخطاب رضِيَ الله عنه أنه خطب فقال: إن اللهْ بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرَجَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورَجَمْنا بعْدَه، فأخشى إن طال بالناس الزمانُ أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيَضِلوا بتركِ فرِيضةٍ انزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أُحْصِنَ، من الرجال والنساء إذا قامتْ البينة وكان الحبْل أو الاعتراف"، متفق عليه. وفي رواية: وقد قرأناها: "الشيخ والشيخة إذا زنَيَا فارجموهما البتةَ". قال بعض شراح الحديث: وهذا القِسْم من نسخ التلاوة مع بقاءِ الحكم، وقد عدّه الاصوليون قسما من أقسام النسخ.
(٣١) اشارة إلى حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبْصِروها (اي المرأة المتلاعنة مع زوجها) فإن جآتْ به أبْيَضَ سَبِطاً فهو لزوجها، وإن جآت به أكحل جعْدا فهو للذي رماها به". حديث متفق عليه، والسَّبطَ بفتح السين كسر الباءِ الكامِلُ الخلْق من الرجال، والجعْد بفتح الجيم وسكون العيْن، القصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>