للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متروك باتفاق، فيبقى ليس دليلا على ما قلتم، بِأوْلَى من أن يكون دليلا على ما قلنا، واللهُ أعلم.

المسألة الثانية: الأختان بملك اليمين، قال عمر رضي الله عنه: حَرَّمَتْ الجمعَ بينهما آية، (٣٧) وأحَلَّتْ ذلك آيةٌ، (٣٨)، وهذا لأن كل آية، أعمُ من الأخرى بوجْهٍ، وأخصُّ منها بوجه، ولكنه رجح الفقهاء التحريم بوجوه:

أحدُها أن الأُولى سِيقتْ للتحريم، والثانية للمدح بحفظ الفرج، فلم يحصل للتحريم ما يُعَارِضه.

الثاني أن الأُولى لم يُجْمَعْ على تخصيصها، والثانية أُجْمِعَ على تخصيصها بما لا يقبل الوطء من المملوكات وما يَقبَله، لكنه يحرم إجماعا، كالذكور، وأخوات الرضاعة، ومَوْطوآتِ الآباء من الإِماء. وغيرُ المخصوص أرجح مما أُجْمِع على تخصيصه.

الثالث أن الأصل في الفروج التحريم حتى يُتَيَقَّنَ الحِلُّ، فالأُولى على وفق الأصل، ولم يتعين رجحان الثانية عليها، فنعمل بمقتضاها موافقَةً للأصل.


(٣٧) المراد بآية التحريم هو قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}، أي حُرِّم عليكم الجمعُ بين الاختين في العصمة، سواء أكان ذلك بعقد النكاح أو بملك اليمين، وهو الراجح المشهور في الاخير. والآية الاخرى هي قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وليست إحداهما أخصَّ من الاخرى حتى يُقدَّم الخاص على العام.
(٣٨) وأول الآية قوله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} سورُة النساء، الآية ٢. قال القرافي في آخر هذه الفقرة: فهاتان المسألتان هما اللتان يحتاجان إلى تدقيق في البحث، فلذلك أفردتهما عن سائر المسائل التي في الباب.
وعبارة القاضي عبد الوهاب تزيد هذه المسألة الثانية وضوحا وبيانا كما هو الشأن بالنسبة للمسألة الأولى حيث قال:
مسألة: لا يجوز الجمع بين الاختين في المِلْك في استباحة الوطء، خلافا لداود، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}، فعَمَّ (أي عمّ قوله تعالى ذلك تحريم الجمع بين الأختين في العصمة، سواء بعد النكاح أو ملك اليمين، ولأنها (اي الموطوءة بملك اليمين) صارت فراشا للرّجل، فلمْ يَجُزْ استباحة أختِها ما دامت فراشا كما لو تزوجها، ولأنه (أي مِلْك اليمين) أحد طرفَيْ استباحة الوطء كالنكاح". جـ الثاني. ص ١٠٠، مطبعة الإِرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>