للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لا يَبْطُلُ القوُل بفسادها لأجل ما ذكِر، فلعلها كانت فاسدة من حيث إنها وقعت ممن لا تكون أفعاله يقصِدُ بها موافقةَ الشرع وامتثالَه.

ثم يؤيد القضاءَ بالفساد حديثُ غيلانَ، اذْ خُيِّرَ في أرْبع وأن يفارق سائر العَشْر، ولم يُذكَر له تفريق بين الأوائل والأوَاخر (٤٣) - وعلى القول بالصحة كانَ يجب أن يُّسقِط الستّ الحاصلات بعْد الأربع، وأن يسقط البنت الجائية على الأم، والأم الجائية (٤٤) على البنت، ولم يُفَصَّلْ له في هذا شيء، بل قيل له: إخْتَرْ أربعا، فكان ذلك مقوّيًا لمَا قلناه من الفساد.

لا يقال: نكاح غيلان كان في فور واحد، وكانَ لم يتزوج أمَّا وبنتا في ذلك، لأنا نقول: الاصل عدم عِلْم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتفصيل الحال، وحيث أجاب على العَشْر بذلك دون استفسارٍ دلَّ على ما قلناه، وأنه الحكم الوارد على كل من أسلم على أكثرَ. مِن أربع كيف كُنَّ، فكان دالًّا على الفساد، والله أعلم.

ولما كان شهاب الدين رحمه الله يرى صحة أنكحتهم ويُضْعِف القوْل بفسادها، أجاب عمّا قلناه بأن قال: إطلاق الخِيارِ في الحديث يحتمل وجهين:

أحَدُهما أن تكون الأنكحة فاسدة كما قلتُ.


(٤٣) كذا في نسختى ع، وح: وفي نسخة ق: "ولم يذكر له تفريقًا بين الأوائل والاواخر.
ونص حديث غيلان هذا رواه سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن غيلان بن مسلمة أسلم، وله عشر نسوة، فأسلمْن معه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخيَّر منهن أربعًا". رواه أئمة الحديث: أحمد بن حنبل، والترمذي، وصححه ابن حِبَّانَ والحاكم.
وغيلانُ هذا ممَن أسلم بعد فتح الطائف، ولم يهاجر، وهو من أعيان ثقيف، ومات في خلافة عمر، رضي الله عنهما.
(٤٤) كذا في نسختي ع: وح: الجائية بالجيم والهمزة والميم، من المجئ، أو الفعل جاء، وفي نسخة ت: الحادثة (بالحاء والدال والثاءِ المعجمة)، من الحدوث، وهو طرُوّ الثانية على الأولى بَعْدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>