للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني أن تكون المفسدات الواقعة في الكفر لا تتعين (٤٥)، كما تقدم في مذهبنا أنهم لو اعتقدوا غَصْب امرأة أوْ مجردَ رضاها بغير عقد ثم أسلموا على ذلك أقررناهم عليه، فهكذا كونها خامسةً ونحو ذلك، فاسد في الإسلام، وإذا فارق الكفرَ اعتبره (٤٦) صاحبُ الشرع، ترغيبا في الإسلام. قال: وإذا احتمل الامرْين لَمْ يَلزَم ما ذكرته من فساد العقود بل ذلك يدل على التخيير فقط.

قلت: حديث غيلان يدل دلاة قوية على أن الانكحة في الكفر فاسدة ولابد، وما قاله تَكلُّف وشئٌ صعْب (٤٧) وغير ظاهر، فالحقُّ ما عليه المذهب (٤٨)، الله أعلم.


(٤٥) كذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق والتصحيح: "لا تتعَيَّنُ"، وعند القرافي: "لا تُعْتَبَرُ" أي لا يعتد بها، وهذِه الكلمة أنسبُ في المعنى وأظهرِ، والله أعلم، فليُتَأمَّل.
قلت: والقول بفساد أنكحة الكفار هُوَ ما ارتآه واختاره الشيخ البقوري، حيث قال في آخر الفقرة: فالحق ما عليه المذهب، وهو ما نجده للقاضي عبد الوهاب البغدادي حيث قال رحمه الله. في كتابه: الإشراف. جـ ٢. ص ١٠٤.
مسألة: أن أنكِحة الكفار فاسدة، وإنما يصحح الإسلام ما لو ابتدأوه بعده جاز. وقال أبو حنيفة والشافعي: هي صحيحة.
ودليلنا أن صحة النكاح مفتقرة إلى شروط، منها وليُّ ورضا المرأة، وألا تكونَ في عدة، وأنكحتهم خالية من هذا، فوجب فسادها. ألا تَرى إن أنكحة المسلمين إذا عَرِيتْ منه (أي ممَّا ذُكِر من الشروط) كانت فاسدة، فأنكحة أَهْل الشِّرْكِ أوْلَى".
(٤٦) في نسخة ت: اغتفرَه. وعند القرافي: اعتبره، من الاعتبار، وهو ما في نسختي ع، وح.
(٤٧) كذا في كل من ع، وح: وفي نسخة ت: ضعيف، ولكل كلمة وجْهٌ تُحمل عليه وتفهَمُ عليه.
(٤٨) أقول: بغَضِّ النظر عما قاله الشيخ البقوري من أن الحق ما عليه المذهب من فساد أنكحة أهل الكفر، فإن استَنتاجه للدلالة القوية على فساد أنكحة الكفار من خلال حديث غيلان، كظهر استِنْتَاجًا غيرَ مُسَلَّم على إطلاقِهِ، بل الظاهر الذي يدل عليه الحديث والأحاديث الأخرى في الموضوع أن ما كان من تلك الانكحة في أساسه وشروطه، واستمراره موافقًا للتشريع الإسلامي وجوهره وروحه، فإن الإسلام يقره ويسمح ببقائه واستمراره. وما كان في أساسه وشروطه وواقعه مخالفًا لأحكام الشريعة لا يكون إقرار الكفار عليه، بل يجب فسخه والغاؤه، والبقاء على ما يُقِرُّهُ دين الإسلام. ويكون على وفق شرعه في الظاهر، بغض النظر عن وقوعه من الكافر، وكونه غير معتَبَر في الإسلام، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر غيلان حين إسلامه أن يفارق ما زادَ على الأربع، وأمر من أسلم وعنده أختانِ أن يفارق إحداهما ويحتفظ بالأخرى، لأن الإسلام حرّم الزواجَ بأكثر من أربع نسوة، وحرم الجمع بين الاختين في عصمة رجُل واحدٍ.
قال الإِمام محمد بن اسماعيل الصنعاني في شرح سبل الإسلام على بلوغ المرأة من أدلة الاحكام عند شرحه لحديث الضحاك ابن فيروز عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمتُ وتحتي أختان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طلق أيتَهُمَا شئتَ". رواه الإِمام أحمد وبعض أصحاب السنن، وغيرهم. قال الصنعاني هنا: "والحديث دليل على اعتبار أنكحة الكفار وإن خالفتْ نكاح الإسلام، وأنَّها لا تخرج المرأة من =

<<  <  ج: ص:  >  >>