للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك على وجوه:

أحدها أن الأبضاع أشَدُّ خطرًا وأعظم قدْرا، فناسبَ أن لا يَفوَّضَ (٥٢) إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها، والأموالُ لا خطرَ لها بالنسبة إليها فَفُوِّضَتْ إليها.

الثاني أن شهوة الجِماع شهوة قوية تغلب على الانسان حتى تُويعَه في الأشياء الرّذيلة وهو لا يشعر بها، لقما" عليه السلام: "حبُّكَ الشيءَ يُعْمي ويُصِمُّ" (٥٣)، فلذلك احتيج للولي في البُضع، وبقيتْ الأموال على الأصل فى اكتفائها بنظرها.

الثالث أن المفسدة في الأبضاع بزواج غير الكفء يَتعدَّى ضَررُها للأولياء، والمفسدة المالية يقتصر ضررها عليها، فلأجْل ذلك حصل ما حصَل من الفرق.

قال شهاب الدين: وهنا مسألتان:

المسألة الأولى: قال مالك والشافعي وابن حنبل: لا يجوز عقد المرأة على نفسها ولا على غيرها من النساء، بِكرًا كانت أو ثيبا، رشيدةً أو سفيهة، أذِن لها الوليُّ أوْ لَا. وأبو حنيفة جوَّز للرشيدة أن تُزوج نفسها، واحتجّ على ذلك بوجوه:

أحدها قوله تعالى: " {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٥٤)، وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ". (٥٥)


(٥٢) كذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق والتصحيح: "ألَّا يفَوض" بالياء ح بناء الفعل للمجهول، أي فناسَبَ ألَّا يُفَوضَ في أمرها وشأنها إلا لكامل العقل.
وعند القرافي: "فناسَب ألا تُفوَّض" بتاء المضارعة ح البناء للمجهول، (أي ألا تُفَوَّض الأبضَاعُ، ولا يقعَ التفويض فيها إلا لكامل العقل وهو الوَلِيُّ الرجل.
(٥٣) ذكره الإِمام السيوطي في الجامع الصغير، نقلا عن أئمة الحديث: أحمد بن حنبل، والبخاري في التاريخِ وأبي داود، ورمز له بحرف الحاء التي تدل على أنه حديث حسن.
(٥٤) نص الآية وصوابُهَا قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. سورة البقرة: الآية ٢٣٢.
(٥٥) أول الآية هو قول الله تعالى في الطلاق الثلاث: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. سورة البقرة: الآية ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>