للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيها أنها متصرفة في مالها، ففي نفسها أوْلى، لأنها أعلَمُ بأغراضها منْ وليها.

وثالثها أن الأصل عدمُ الحَجْر على البالغ العاقل وهي كذلك فيزول الحجر عنها مطلقًا.

ورابعها قوله عليه السلام: "أيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَتْ بغير إذن وليها فنكاحها باطل" (٥٦)، فمفهومه أنه إذا أذن لها جاز، وإذا صح العقد بالإذْنِ صح بغير إذن، لأنه لا قائلَ بالفرق.

والجوابُ أن النكاح حقيقة في الوطء، ونحن نقول بموجِبِهِ، أو يُحْمَلُ على التمكين من الوطء، وهو أقرب للحقيقة من العقدِ.

قلت: هذا لا يصح، لأن النكاح يُطْلَقُ على العقد شرعا، وهو على الوطء لغةً. وحمْلُ اللفظ الشرعي على مقتضاه شرْعًا أرجحُ من حمله على مقتضاه لغة. (٥٧)


(٥٦) أخرجه بعض ائمة الحديث من أصحاب السنن الاربعة، غير النسائي، عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها، وصححه أبو عوانة، وابن حِبَّان، والحاكم ويحيى بن مَعين، وغيرُهم من حفاظ الحديث.
(٥٧) نقل الشيخ صالح عبد السميع الْأبي الازهري في شرحه (جواهر الاكليل) على مختصر الشيخ خليل في مذهب الإِمام مالك إمَامِ دار التنزيل كلام الحافظ ابن حجر في الموضوع فقال: النكاح لغةً، الضمُّ والتداخل، وأكثرُ استعمالِهِ في الوطء، ويسمي به العقد مجازًا، لكونه سببا له، (فهو من قبيل المجاز المرسَل، علاقته السَّببية).
ثم قال: وشرْعًا حقيقةٌ في العقد، مجاز في الوطء، لكثرة وروده في الكتاب والسَّنة في العقد، حتَّى قيل: لم يَرِدْ في القرآن إلّا لَهُ. ومثل هذا الكلام عند الإِمام الصنعاني رحمه الله في كتابه سُبل السلام.
ولا يَرد على ذلك مثُل قوله تعالى: "فإنْ طلَّقها فلا تَحِلَّ له مِن بعدُ حتى تَنكحَ زوجًا غيره"، لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة، والعقد لابد منه. فمعنى قوله تعالى: "حتى تنكح زوجا غيره"، أيْ حتى تتزوجه، أي حتى يعقد عليها). ومفهومه أن هذا كاف بمجرده، ولكن بيَّنتْ السنة أنه لا عبرة بمفهوم الغاية، وأنه لابد بعد العقد من ذوق العُسَيْلة).
قلْتُ: وفي هذه الكلمة الاخيرة إشارة إلى الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن امرأة رفاعة القرظي جآت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني، فَبَتَّ طلاقي (أيْ طلقها طلاقا ثلاثًا)، وإنِّي نكحت بعده عبد الرحمان بن الزبير القَرظي، وإنما معَهُ مثلُ الهدبة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عُسَيلتِك =

<<  <  ج: ص:  >  >>