للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيد، لأن المشتهِر هو الطلاق دون الانْطِلاق، وكذلك أطلَقْتُكِ وانطلقتُ منك، وانطلقِي منى وأنتِ مُنْطلقة. (١٠٦)

وخَالف أبو حَنيفَة وأحمدُ بن حنبل في أنا طالق منك، لأنه ليس محبوسا بالنِّكَاح، بل هي المحبوسة، وقياسًا على قوله: أنا طالق، ولو كان محلا للطلاق لوقع، ولأن الرجلَ لَا يوصفُ به. (١٠٧)

تنبيه:

ليس في أصل اللغة ما يقتضِي طلاق المرأة الْبتَّةَ ولا لفظةٌ واحِدَةٌ، وهذا شيء لَا يكاد يَخطر بالبال.

وبيانُه أنه إذا قال: أنتِ طالق ثلاثًا فهذا أعظم ما يُتوَهم أنه صريح لغة، وليس كذلك، بل هو لا يوجب طلاقا البتَّة، من حيث إن اللغة إنما تقتضي أن هذه الصيغة وضَعَهَا العرب للإِخبار، ومقتضَى ذلك أنه خبرٌ كذبٌ، فلا عِبْرَةَ به، ومن ها هنا افترق الناس فرقتين، ففِرقةٌ قالت: هي إخباراتٌ، لكن الشرع قدّر وقُوع مُخْبَرِها قبْلَ النطق بها بالزمن الفرد، لضرورة تصديقه، قال هذا الحنفيةُ، وهذا المعنى ارتكبوه في جميع صيغ العقود. والفريق الآخر - وهُمْ المالكية والشافعية - يقولون في هذه الصِيغُ انتقلت من الخبر إِلى الإِنشاء، نقَلَها العُرفُ،


(١٠٦) قال المحقق ابن الشاط رحمه الله: فيه إشارة إلى ذلك الاشتقاق، وقد تقدم رده.
وما قاله من أنه لا يكون صريحا ولا كناية، صحيح أيضًا، لأن الانطلاق ليس من الطلاق وإن كانا من مادة واحدة.
(١٠٧) أجاب القرافي رحمه الله عن التعليلات والتوجههات التي اعتمدَها كل من الإمامين: أبي حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهما الله في "أنا طالق منك" حيث لم يعتبرا هذه العبارة طلاقا صريحا.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على جواب القرافي، عن التعليل الأول الذي هو كونه ليس محبوسا بالنِّكَاح بكونه محبوسا عن عمتها وأختها والزيادة على الاربع، فقال ابن الشاط: ليس. معْنَى الطلاق معنى الانطلاق حتى يلزم ما جاوب به، بل الطلاق حلُّ العصمة فقط، وهو أمر يصدر من الرجل ويقع بالمرأة، فإذا قال: أنا طالق منك، فقد عكس المَعْنَى، فالظاهر أنْ يكون مجازًا، واللهُ أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>