للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحيث قال الفقهاء: إن النية شرط في الصريح فيريدون العَمْدَ لإنشاء الصيغة، احترازا من سبق اللسان لما لم يَقصِد، كأن يكون اسمها طارقا فيناديها فيسبق لسانُه، فيقول لها: يا طالق، فلا يلزمه شيء، لأنه لم يقصد اللفظ. وحيث قالوا: النية ليست شرطا في الصريح، فمرادهم القصد لاستعمال الصيغة في معنى الطلاق، فإنما لا تشترط في الصريح إجماعا، وإنما ذلك من خصائص الكنايات أن يُقصد بها معنى الطلاق، وأمّا الصريح فلا.

وحيث قالوا: في اشتراط النية في الصريح قولان، فيريدون بالنية هنا الكلامَ النفسي، فإنهم يطلقون النية ويريدون الكلام النفسي، وهو المراد من قولهم: في الطلاق بالنية قولان، أي بِالكلام النفسي، وإلا فمَن قصَدَ وعزم على طلاق امرأته لا يلزمه بذلك طلاق إجماعا، وإنما المرادُ إذا أنشأ طلاقها بكلامه النفسي كما ينشئه بكلامه اللساني، فيعبرون عنه بالنية، وعبَّر عنه ابن الجلاب بالاعتقاد بقلبه فقال: ومن اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففي لزوم الطلاق له قولان، والاعتقاد لا يلزم به طلاق إجماعا، (١١٠) وإنما المراد الكلام النفسي، فالمشهور اشتراطه كما قال أبو الوليد في المقدمات، وأنه إذا طلق بلسانه فلا بد أن يطلق بقلبه، فظَهَرَ أنه لا تناقض فيما قالوه، وأنما أحْوالٌ مختلفة، وتتضح هذه القاعدة بمسائل:

المسألة الأولى.

قال مالك في المدونة: لو أراد التلفظ بالطلاق فقال: إشْرَبي أو نحوَه، فلا شيء عليه، حتى ينوي طلاقها بما يلفظ فيجتمع اللفظ والنية، فلو قال: أنتِ طالق البتَّة ونِيَّتُهُ واحدة، فسبَقَ لسانه البتةَ لزمه الثلاث، قال سحنون: إذا كان عليه بينة، فلذلك لم يُنَوِّه، يريد أن اللفظ وحده لا يلزم به الطلاق،


(١١٠) زاد الإِمام القرافي هنا رحمه الله قوله: "فلو اعتقد الانسان أنه طلق امرأته ثم تبين له بطلانُ اعتقاده بقيت له زوجةً إجماعا"

<<  <  ج: ص:  >  >>