للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو لم توجَدْ منه نية ح لفظه الثلاث، فلذلك لا يَلزمَه ثلاثث في الفتيا، ويَلزمَه الثلاث في القضاء، بِنَاءً على الظاهر.

المسألة الثانية:

إذا قال: أنت طالق ونَوَى من وِثاقِ وِلايَتِهِ، وجاء مستفتيا طُلّقتْ، كقوله أنتِ بريَّةٌ ولم ينْوِ به طلاقا، ويوخَذُ الناس بألفاظهم ولا تنفعهم نياتهم، إلا أن تكون قرينةٌ مصدِّقَةٌ. قال صاحب التنبيهات (١١١): وقيل: يُدَيَّن إلا أن يكون


(١١١) صاحب التنبيهات، المراد به هنا الإِمام الجليل، والعالم الشهير، والمحَدِّث الكبير، والفقيه الموسوعي المتضلع، ذو التآليف العديدة الهامة التي نفع الله بها المسلمين: أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، المتوفى سنة ٥٤٤ هـ، ودفين مراكش، وأحد أوليائها ورجالها السبعة، والذي قيل نيه رحمه الله الكلمة الماثورة الشائعة: "لولا عياض ما ذُكِر المغرب".
وكتاب التنيهات هذا من أهم وأشهر مؤلفاته القيمة، وعنوانه الكامل: "التنيهات المستنبَطة في شرح مشكلات المدونة". جمع فيه فوائد فقهية، وكان عليه المعَوَّل في حل الفاظ المدونة ومشكلاتها، وتحرير رواياتها وتسمية رواتها. ومعلوم أن كتاب المدونة هو أصل المذهب المالكي بعد موطأ الإِمام مالك رحمه الله، وهو عمدة الفقهاء المتقدمين، وركيزتهم في الافتاء والقضاء، تُرجَّحُ رواية المدونة على سائر الامهات الفقهية، وبها كانوا يتناظرون ويتذاكرون، وإليها كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم من مسائل المذهب.
ولمْ يحظَ أي كتاب من محنب المذهب بما حظيتْ به المدونة من العناية والحفظ، والاكثار من الشروح لها والتعليق عيها والتنبيه على غريبها ومشكلاتها، وفي مقدمة من كان مهتما ومعجبا بها، الفقيه المالكي الإِمام عبد السلام سحنون المتوفى سنة ٢٤٠ هـ، والذي تنسبُ إليه، فيقال مدونة سحنون؛ فهو الذي رواها عن الإِمام ابن القاسم بعد أسَد ابن الفرات، وتأكد من مسائلها، وكان يوصى طُلَّابَهُ بالاعتناء بها والاعماد عيها، ويغول لهم: "عليكم بالمدونة، فإنها كلام رجل صالح، وروايتُهُ" اهـ. باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>