للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابا، وَهُوَ مذهب الكتاب، (١١٢) قال: ويتخرَّجُ (١١٣) من هذه المسألة إلزامُ الطلاق بمجرد اللفظ، ومن قوله في الذي أراد واحدة فسبقَ لسانه للبتة، ومِنْ هَزْلِ الطلاق أيْضا. ويوخذ اشتراط النية من غير المسألة، من الكتاب، يعنى من قوله: أنت طالق، وأراد تعليقه ثم بَدَا لهُ، فلا شيء عليه، قال أبو الطاهر: لا يلزمه في الفُتْيا طلاق، ونظيره من لَه أمهٌ وزوجَةٌ، اسم كل واحدة منها حِكمة، وقال: حكمةُ طالق، وقال: نوَيْتُ الأَمَة، لا يلزمه طلاق في الفُتْيا اتفاقا، فينبغي أن يُحمَل في مسألة الوثاق على اللزوم في القضاء دون الفتيا.

وأما قوله: وجاء مستفتيا - وان أوْهم اللزوم في الفتيا - فمُعارَضٌ بقوله: يوخذ الناسُ بألفاظهم ولا تنفعهم نياتهم. والأخْذ إنما يكون للحاكم دون المفتي، وكذلك اشتراطه القرينةَ، فإن المفتي يتبع الأسباب والمقاصد دون القرائن، وإلا فيلزم مخالفة القواعد، ويتعذر الفرق بين هذه وبين ما ذكر من النظائر.


(١١٢) المراد بهِ كتاب التهذيب لأبي سعيدٍ: خَلَفٌ بن القاسم الأزدي المعروف بالبردعي، من علماء وفقهاء القرن الرابع الهجري، ومن حفاظ المذهب المالكي. فهذا الكتاب له رحمه الله هو أشهر مؤلفاته، اختصر فيه المدونة وهذَّبها، وعليه يطلق اسم الكتاب اصطلاحا عند المالكية في كتبهم الفقهية، كما يطلقُ كتابُ ومؤلفو السيرة النبوية اسم المدينة على المدينة المنورة، واسم العقبة على مكان اجماع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالانصار ومبايعتهم له على الإيمان والجهاد في سبيل الله، وكما يطلق العلماء النحويون اسم الكتاب على كتاب سيبويه رحمه الله في النحو، ويطلق علماء التاريخ والإجماع اسم المقدمة على مقدمة ابن خلدون رحمه الله، فينصرف الاسم العام المعَرَّف بال إلى مدلول خاص ويطلَق عليه بالغلَبة، وفي ذلك يقول ابن مالك رحمه الله، في ألفيته النحوية، وهو يتحدث عن المعرَّف بأل، وعن المضاف الذي يصير علَمًا بالغلَبَة:
وقد يصيرُ علَمًا بالغلبة ... مضافٌ أو مَصْحُوبُ ألْ كالعقبة
(١١٣) وُيخَرَّجُ: كذا في نسخة ع، وح، وبياء واحدة فقط، وفي نسخة ت: ويتخرج بالياء والتاء ويظهر أنها الأنسب والأصوب في المعنى، وهي ما عند القرافي، خاصة وأن هزل الطلاق يُعْتَبَرُ جدا، كما هو معروف فقها، ومنصوص عليه في حديث: "ثلاث جِدُّهن جد، وهزلُهُن جِدٌّ: النكاح، والطلاق، والرجعة"، رواه أئمة السنة، أبو داود والترمذي والحاكم وصححه، فرحمهم الله وجزاهم خيرا عن الإسلام والمسلمين، وعن حفظ السنة النبوية من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>