للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعْلَمْ أن مالكًا وَأَبَا حنيفة رضي الله عنهما اتفقا على جواز التعليق في الطلاق والعتاق قبل النكاح وقْلَ الملك، كأنْ يقولَ: إن تزوجتكِ فأنتِ طالق، وإن مَلَكْتُك فأَنتَ حُرٌّ. وقال الشافعي: لا يلزمه شيء من ذلك، وقال: وكذا (١١٥) إن قال: إن ملكتُ دينارا فهو صدقة، وهكذا في برع ما يمكن أن يتعلق به التسليم في الذمة في باب المعاملات فيلزم، فَتمَسَّكَ الأصحاب بوجوه:

أحدُها القياس على النذر في غير المملوك، بجامع الالتزام بالمعدوم.

وثانيها قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (١١٦)، والطلاق والعتاق عَقدانِ عقدهما على نفسه يجب الوفاء بهما.

وثالثها قوله عليه السلام: "المؤمنون عند شروطهم"، (١١٧) وهذان شرطان، فوجب الوقوف عندهما.

وأجاب الشافعية (عن الأول) بأن النقدين والعروض يمكن أن تثبت في الذم، فوقع الإلتزَامُ بناء على ما في الذمة، والطلاق والعتاق لا يثبتان في الذمم،


(١١٥) وكذا. ناقصة في نسختى ع، وح، موجودة وثابتة في نسخة ت، وهي كلمة ضرورية لاستكمال المعنى بالشرط وما يدل على جوابه، ولذلك جاء عند القرافي في هذه العبارة ما يوضح ذلك حيث قال: ووافقَنَا (اي الشافعى) على جواز التصرف بالنذْر قبل المِلك، فيقول: إن ملكتُ دينارا فهو صدقة، وكذلك جميع ما يمكن أن يتصدق به المسلم في الذمة في باب المعاملات، فتمسك الأصحاب بوجوه ... الخ.
(١١٦) سورة المائدة: الآية الأولى (١).
(١١٧) رواه عن أبي هريرة كل من أئمةِ الحديث: أبي داود والترمذي والحاكم. وفي رواية، زيادة: "ما وافَق من ذلك فهم مَلزمون بإنفاذها إذا كانت مشروعة".
وممّا يزيد ذلك وضوحًا حديثُ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أرادت أن تشترىَ بَريرةَ حينما طلبت منها المساعدةَ على ما كاتَبَها عليه أهلُها، فامتنعوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع بذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إشتريها واشتَرِطي لهم الولاءَ فإنَّمَا هو لمن اعْتَق، ففعَلَتْ عائشة، وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، فحِمدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعدُ، ما بالُ رجالٌ يشترطون شروطا ليستْ في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائةَ شرط. قضاءُ الله أحق، وشرطه أوْثَقُ، وإنما الولاء لمن اعتق". أخرجه الشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>