والتصرف يعتمد موجودا معَيَّنا أو ما في الذمة، فإذا انتفيا معا بطل التصرف، ألا ترى أن البيعَ إذا لم يكن على معيَّنٍ ولا في الذمة فإنه يبطل، كذلك ها هنا.
وعن الثاني أن قوله تعالى:"أوفوا بالعقود" أمرٌ بالوفاء بالعقود، والأوامر لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل، والعقدُ قد وقع وصار ماضيا، فلا يصح أن يتعلق الامر بالوفاء به، فتعيَّن أن الأمر متعلق بالوفاء بمقتضاه، والتقدير أوفوا بمقتضيات العقود، ونحن نقول بموجبه. ولكن النزاع في مقتضاه ما هو، هل لزوم الطلاق أم لا؟ فلا يحصل المقصود من الآية للخصم، وهذا هو الجواب عن الحديث، فإنَّ الكون عند الشروط إنما هو ضد الوفاء بمقتضاها، وكوْن الطلاق من مقتضاها هو محل النزاع.
وللمالكية أن يجيبوا عن هذين الجوابين بأن مُقتضَى العقد ومقتضَى الشرط هو ما دلَّ اللفظ عليه لغة لا شرعا، إذ هو صورة النزاع، ونحن إنما نتمسك بالمقتضَى اللغوي. ولا شك أن المقتضَى اللغوي في العقد والشرط هو لزوم الطلاق، فوجب أن يكون متعلَّق الأمر في الآية والحديث، هو لزومَ الطلاق، فوجب أن يكون متعَلِّق الأمْر في الآية والحديث، وهو المطلوب.
ولكنه يردُ إشكال على مالِكٍ وأبي حنيفة، وذلك من حيث قاعدة مقررة، وهي أن كل سبب شرعه الله لحكمة لا يشرعه عند عدم تلك الحكمة. وهَاهُنَا من قال بشرعية الطلاق والعتاق في التعليق، فقد التزم شرعيته مع انتفاء حكْمَتِه، وكان يَلزَم ألَّا يصح العقد البتَّة، لكن العقد صحيح إجماعا، فدل ذلك على عدم لزوم الطلاق تحْصِيلا لحكمة العقد. وأما وجوب نصف الصداق وغير ذلك ممّا يتوقَف على هذا العقد فأمور تابعة لمقصود العقدَ، لا أنها مقصود العقد، فلا يُشرَعُ العقد لأجلها. وحيث أجمعْنا على شرعيته دل ذلك على بقاء حكمته، وهو بقاء النكاح المشتمل على مقاصده، وهذا موضعُ مشكل على أصحابنا (١١٨)، (فتأمّلْه).
(١١٨) زاد القرافي هنا قوله: وقد ظهر لك أيضا بما تقدم من البحث الفرقُ بين ما يترتب في الذمم وبين ما لا يترتب.