وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة فقال: ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما رُويَ عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فَحَرُمَ عليها، لِقائلٍ أن يقول: لا يندفعُ بذلك، لجعْل رضاع الكبير لقصْد ثبوت التحريم داخلا فيما استُثْنِيَ للضرورة. قلت: وفي هذا السياق والمعنى عقب الشيخ البقوري على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة، فقال في آخرها: "لا دليل في هذا (أيْ في إرضاع عائشة للكبير فحرُم عليها) وإنما الدليل في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإرضاع سالم، والضرورة مفقودة هناك (في موضوع إرضاع عائشة للكبير)، إذ كان كبيراً. والبقوري رحمه الله يشير في هذا التعقيب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة أبي حذيفة في شأن سالم مولاهم: "أرضعيه تحْرُمي عليه"، وكان كبيرا، فهو خاص بها، كما أخبرتْ بذلك أمهات المؤمنين، إلا عائشة، رضي الله عنهن جميعا. - والحديث رواه الإِمام مالكٌ رحمه الله في الموطأ عن عُروةَ بن الزبير أن أبا حُذَيفة رضي الله عنه تبنَّى سالما (وكان مولى لامرأة من الأنصار) كما تبنَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زيدَ بن حارثة، وكان مَن تَبَنَّى رجلا في الجاهلية دعاه الناس ابنه، وورث من ميراثه، فلمَّا أنزل الله عز وجل، "أدعوهم لآبائهِم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهُمْ فإخوانكم في الدين ومواليكم"، رُدُّوا إلى آبائهم، فمَن لم يُعْلَم له أبٌ فمولى وأخٌ في الدين، فجاءت سهلة بنت سُهيل، وهي امرأة أبي حُذيفة، فقالت، يا رسول الله، كنَّا نرى سالما ولداً، وكان يدخُلُ عليَّ وأنا فُضُلٌ (بضم الفاء والضاد) أي متبذلة في ثوب واحد، (وفي ثوب المهنة والعمل بالمنزل)، وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ (وقد أنزلَ اللهُ فيهم ما علِمتَ؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه"، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشةُ أمُّ المومنين رضي الله عنها، فيمَنْ كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تامرُ أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن تُرضع من أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال. وأبَي سائرُ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقُلْن: لا، والله ما نرى الذي أمرَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سُهَيل إلَّا رخصةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة سالم وحده، والله لا يدخل =