للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لا دليل في هذا، وإنما الدليل في أمر النبي عليه السلام بإرضاع سالمٍ، والضرورةُ مفقودة هناك، إذْ كانَ كبِيراً.


= علينا بهذه الرضاعة آحد، فعلى هذا كان أزواجُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير (أي إنها لا تؤثر في تحريم الرضيع واعتباره من المحارم الذين يجوز لهم الدخول على المرأة في منزلها.
قال الشيخ الزرقاني رحمه الله في شرحه على الموطأ: زاد في مسلم: فقالت (سهلة بنت سهيل زوجة أبي حديفة): كيف أرضعه يارسول الله، (وهو أي سالم) رجُلٌ كبير، فتبسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: قد عِلمتُ أنه رجل كبير، وكان قد شهِد بدْرا، أرْضعيه تَحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة (اي الوهْم والوسواس الذي يكون في نفسه)، فرجعتْ إِليه فقالت: إني أرضعتُهُ فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
قال الحافظ أبو عمر يوسف ابن عبد البر: "صفة رضاع الكبير أن يُحْلبَ له اللبنُ ويُسقَاه، فأمّا أن تُلْقِمه المرأة ثديها فلا ينبغي (اي لا يجوز) عند أحد من العلماء. وقال عياض: "وسهلة حلبتْ لبنَها فشربه (سالم) من غير ان يمس ثديها، ولا التقتْ بَشَرَتَاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدْي ولا مَسُّهُ ببعض الاعضاء، قال النووي: وهو حسَن.
ويحتمِل أَنه عُفِيَ عن مسه (أي سالم) للحاجة، كما خُصَّ بالرضاعة معَ الكِبَر، وأيَّدَهُ بعضهم بأن ظاهر الحديث انه رضع من ثديها، لانه - صلى الله عليه وسلم - تبسَّمَ، وقال ذلك لِما تقرر في نفسهما انه ابنُهَا وهي أمه، فهو خاص بهما لهذا المعنى، وكأنهم (أيْ العلماءَ المحققين، لم يقفوا في ذلك على شيء، يقع الجزم به في هذا الامر، هل وقع الرضاع من الثدى مباشرةً أو حلبتْ له في إناء فشرب منه). وقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن اخي الزهري عن ابيه قال: كانتْ سهلة تحْلُبُ في مسْعَطِ (أي إناءِ) قدْر رضْعته، فيشربها سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسِرٌ (أي كاشفة الرأس ليس عليه خمار وغطاء)، رخصةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت تراه ابنا من الرضاعة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضعيه تَحْرُمي عليه". اهـ.
قال الإِمام الزرقاني رحمه الله، وفي صحيح الإِمام مسلم رحمه الله عن ابن أبي مُلَيكة أنه سمع هذا الحديث من قاسم عن عائشة، قال: فمكثثُ سنة أو قريبا منها، لا أحدث به رهبةً، ثم لَقيتُ القاسم فأخبرته، قال: حدّثْه عني أنَّ عائشة أخْبرتْنِيه، قال أبو عُمر (الحافظ ابن عبد البر رحمه اللهُ): "هذا حديث تُرِك قديما، ولمْ يعْمل به ولا تلقَّاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تَلقَّوْه على انه خصوص"، وقال ابن المنذر: لا يِبْعُدُ أن يكون حديثُ سهلة منسوخا .. ، لما رُوي في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة أنها قالت لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيْفَعُ الذي ما أحِبُّ أن يدخل عَلَيَّ، فقالت عائشة: أمَالَكِ في رسول الله إسوة، فذكرتْ الحديث بنحوه، وفي بعض طرقه ورواياته أن أم سلَمَة قالت لعائشة: أبَي سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: واللهِ ما نرى هذا إلَّا رخصةً". وكان أبو موسى الأْشعري قد أفتى رجلا مصَّ من ثدْى امراته لبنا بأنها حرمت عليه، لِظاهِرِ تظاهر الآية "وأمهاتكِم اللائن أرضعتكم"، فقال له عبد الله بن مسعود: أنظر ماذا تُفتي به الرجل، =

<<  <  ج: ص:  >  >>