للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدينِ: وظاهر النقل يقتضِي أن إطلاق الأصحاب محمولٌ على ما إذا كان المشتري غَيرَ عالِم بعَدَم المِلك، فالمشهور حينئذ أن لهُ الإِمضاء، أمَّا إذا علِمَ فلا. وتمسَّك الشافعي بقوله عليه السلام: "لا بيعَ ولا طلاقَ ولا عتاق فيما لا يملك ابنُ آدم". (٢٣ م) ونحن نحمِلهُ على ما قبلَ الإِجازة، لأن العامَّ في الأشخاص، مطْلق في الأحْوال.

وأيضا فهو معارَضٌ بأنه - عليه الصلاة والسلام - دَفَع لعروة البازقي ديناراً ليشتريَ له به أضحيته، فاشترى به أَضْحيتَيْن، ثم باع إحْداهما بدينارٍ، وجاء بأضحيةٍ ودينارِ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: باركَ الله لك في صفقة يمينِكَ، فكانَ إذا اشترىَ الترابَ ربح فيه. (٢٤).

فرع: إذا قلنا: إنَّ بَيْعَ الفضولي يصح، ويوقَف على الإجازة، هل يجوز الإِقدام عليه ابتداءً؟ ، قال أبو الفضل عياض في التنبيهات: إنه حرامٌ، لِعَدِّهِ إيّاه معَ ما يقتضي الفساد. وظاهر كلام صاحبِ الطراز، الجواز، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (٢٥).


(٢٣ م) رواه أبو داود، والترمذي بسند حسن عن عَمْرو بن شعيْب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم.
(٢٤) هذه رواية الامام البخاري. اما رواية أبي داود والترمذي عن حَكيم بن حِزام فهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه ليشتريَ لهُ أضحية بدينار، فاشترى أضحية، فأربحَ فيها دينارا، فباعها بدينارين، ثم اشترى شاة أخرى مكانها بدينار، فجاء بها وبالدينار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: بارك الله لك في صفقتك". ففي الحديثين -يقول بعض الشراح- دلالةٌ على جوَاز وصحة التصرف في ملك الغير، بما يكون فيه نفع ومصلحة لفائدة المالك من بيع أو شراء، ويبقى التنفيذ متوقِّفا على إجازتهِ وقبوله لذلك التصرف الذي وقع في مِلكه من طرف الغير. وهو ما اصطلح الفقهاء على تسميته بيع الفضولي، وبينوا أحكامه في مؤلفاتهم الفقهية بتفصيل.
(٢٥) سورة المائدة: الآية (٢).
أقول: واستناد القول بالجواز لهذه الآية الكريمة استناد ليس بالقوي فيما يظهر، وتحميلٌ للآية ما يَبْعُدُ أن يكون مستفادا من عمومها. وأيضا فإن مالك الشيء قد يكون له في إبقائه والحفاظِ عليه مصلحة أُخرى تخفى على البائع الفضولي، ولذلك يتوقف جوازه على إذن المالِكِ وموافقِته له على ذلك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>