للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاب الحنفية عنه بأن قالوا: قضية القِلادة واقعةُ عيْنِ، لم يتعين المنع فيها، لما ذكرناه من الجهل بالزِّنة. (٤٠) وقال الحنفية: ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلة، والظَّنُّ كافٍ في ذلك كالطهارة وغيرها. وقالَتْ المالكية: الرِّبَا شديد فِى الدّين، فلا يكفي فيه الظنُّ كما قلتم في الطهارة. (٤١).

ثم إذا قلنا باشتراطِ المُمَاثَلة فبأىِ شيء تُعتبرُ؟ فنقول:

أما الحُبُوبُ الْجَافَّةُ فما اعتبره صاحب الشرع من كيل أو وزن، وما ليس فب مِعْيارٌ له شرعيٌّ، اعتُبِرت فيه العادة العامةُ: الكَيْلُ أوْ الوزن، فإن اختلفتْ العوائد فَعَادةُ البَلَدِ، فإن جرتْ العادة بالوجهيْن خُيِّرَ فيهما، وقال الشافعي: ما كان يكال أو يوزَن اعتبر بتلك الحالة في الحجاز، وما تعَذَّرَ كيله اعتُبِر فيه الوزن، وإن أَمكن فيه الوجهانِ اعتُبِر بمشابَهته في الحجاز، فإن شابَه أمرْين نُظِر إلى الاغْلَب، فإن استويا غُلِّبَ الوزن لأنهُ أخص. وقيل: يجوز الوجهانِ، نظراً للتساوي، وقيل: يتعذر بيعُهُ لتعَذر الترجيح. (٤٢).

ثم ما به يُعْرف اتحاد الجنس وعدم اتحاده، (٤٣) فاعلَمْ أن الشارع صلوات الله عليه يعتبر ما هو عمادُ الأقوات، ويُلغيِ تفاوتَ الجوْدة والرداءَة لأنه داعية


(٤٠) الزِنَةُ: مصدرُ الفعل الثلاتي، وزن الشيء يزنُه وَزْناً وزِنَةً، مثل وعَدَ يَعد وَعْداً وعِدَةً.
(٤١) عبارة القرافي: "فإن قلتَ: ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلَة، والظن كافٍ في ذلك كالطهارات وغيرها. قلت: لا نسلِّم أن الظن يكفي في المماثلة في باب الربا، بل لابُدَّ من العلم بمشاهدة الميزان والمكيال، وبابُ الربَا أضيق من باب الطهارة فلا يقاس عليه".
(٤٢) هذه الفقرة، ابتداء من قوله: ثم إذا قلنا باشتراط المماثلة فبأي شيء تعتبر؟ إلى قوله: وقيل: يتعذر بيعه لتعَذُّرِ الترجيح"، هي من إضافات البقوري في هذا الترتيب والتلخيص لمسائلِ كتاب شيخه القرافي في الفروق. رحمهما الله جميعا.
(٤٣) هذه الفقرة والمسألة هي موضوع الفرق الحادي والتسعين والمائة بين قاعدة اتحاد الجنس وتعدده (أي اختلافه) في باب ربا الفضل، فإنه يجوز مع تعدده، (اي اختلافه) كما هو مستفاد من نص الحديث "فإذا اختلفت الاجناسُ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بِيَدٍ)، وهو من الفروق القصيرة والمختصرة عند القرافي، ولم يعلق عليه الشيخ ابن الشاط بشيء، جـ ٣. ص ٢٦٤.
قال القرافي رحمه الله في أوله: إعلم أن الله تعالى جعل الدنيا مزرعةً للآخرة، ومطيَّةً للسعادة الأبدية، فهذا هو المقصود منها، وما عداه فمعزول عن مقصود الشارع في الشرائع، فلذلك يُعتَبَرُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>